عبدالسلام المجالي وتلويحة الأيدي العاشقة
الدكتور اسماعيل السعودي
19-02-2018 08:05 PM
على عكس التراجيديات الكبرى كان الزارع في الحقول الوعرة هو الحاصد، وكان العاشق العذري ينعم بنهاية سعيدة لقصة حبٍّ قضّى حياته مخلصا لها.
هكذا كان اللقاء اليوم في الجامعة الأردنية، موسم عودة لأحضان الحبيبة، ولم يكن كتحية الغرباء في الميناء، حضر الوفاء والحب، وحضر المحبون للجامعة وضيفها الكريم، وأُعلنت الأردنية منطقة حصرية لذلك كله. كان كلّ شيء أنيقا وعاليا عاليا كما سرو الجامعة وقبابها، وتعلُّق طلبتها بالمستقبل والطموح.
حضر عبدالسلام المجالي بكامل أناقته وبهائه وعشقه وعقله، وبقليل من خيانات جسده، يمشي بكل أبّهته وجلاله ليس كآسٍ يجسُّ عليلا، بل هو الطبيب الماهر الحاذق الذي يخاف على الأردنية من نسمة هواء تجرح خدّها، أو كلمة تؤذي مسمعها.
الجامعة استأذنته بأن تطلق اسمه على مبنى رئاستها، الذي شَهِد المجالي تأسيسه واكتماله حجرا حجرا، ومكتبا مكتبا، وطاولة طاولة، كما كان الشاهد على فكرة الجامعة وتأسيسها وبنائها واكتمال حضورها كما هي الآن في استقباله.
وهو عبدالسلام الذي يعرفه الناس بإنجازه وبساطته وعلمه ومحبته لناسه ووطنه، لم يتردد لحظة في القدوم إليها، كانت الأردنية تقول لهذا العاشق الدنف:
(عبدَ السَّلامِ) دُروبُ القلبِ أوجَعَها ... منكَ الغيابُ وهذا الشَّوقُ والحِسُّ
هلَّا رجعتَ لها روحاً تُهدهِدُهَا ... فقدْ عَراها شُحوبُ الوجهِ والبُؤْسُ
وجاء يقول لها:
أتيتك من خلف الزمان حمامة ... وأنت جنوبٌ فالمسافة، سُنبلهْ
لقد كنت أيها العاشق الصوت القادم من أحلام القرى، ودعاء الأمهات، ونزيف عَرق الآباء خلف منجل الخبز والآلام.
كنت معجونا بوجع الأسئلة والمعرفة، وكانت وصيتك لعبد الرؤوف الروابدة أن لا تتركوا حجرا مرميا في الطريق إلا وتحركوه لتعرفوا ما تحته، ليس رغبة في التخريب؛ بل شغفا بالمعرفة. لم تقتنع بالإجابات الباردة، وكنت تريد وطنا ليس كباقي الأوطان، وناسا ينامون على المعرفة، ويفيقون على تلويحة الشمس لهم بالحياة.
لم تدمن الهزائم والخسارات؛ بل عشت مسكونا بالأمل والنجاحات، فكنت الأب لكل من عرفك، والدليل لكل من سألك، والمخطط لمستقبل كنت تراه بعقل الطبيب المجرب، والرئيس صاحب الرؤية، وبقلب المحب الذي لا يبصر أو يعشق غير الوطن.
كان عبدالسلام المجالي ولازال مناخا من المعرفة والحضور والشخصية الوطنية التي حملت على عاتقها البناء والإنجاز والانحياز للوطن وناسه البسطاء ..... أقول للوطن وناسه فقط.