من مفارقات التصليح والصيانة في بلدي ، انك وبمجرّد دخولك للمدينة الصناعية تجد جميع الكراجات والورش يكتبون نفس العبارة أخصائي «ميكانيك ياباني كوري ألماني بنزين وهايبرد»..والمفارقة الأخرى عندما تسأل «وين المعلّم» كل شخص يرتدي «أفرهولاً» وتقابله يدّعي انه «المعلّم» فالمفهومية بكل شيء طاغية على المكان والبحث عن وجاهة «المعلمّية» تضيّع الاختصاص.
يمسح أصابعه ويده بخرقة غارقة في الشحمة والسواد ويبدأ يستمع لك عن علة السيارة « شو مالها»؟؟..»عالرابع فيها رجّة»دون نقاش يعطيك التشخيص :»بوكس الجير عمّي»..في هذه الأثناء تحاول أن تطلب منه قيادتها والسير بها على طريق خارجي ليتأكّد من العلة..لكنه يرفض ويقول بكل ثقة «معروف معروف عمي بكس الجير»..تشتري القطع البديلة من المحل الذي يوجّهك اليه هو دون سواه وتنتظر ساعات طويلة وأنت تجلس على كنبة بدون قاع وقد رفعت على عجلي كاوشوك حتى يبدّل «بكس الجير» ويأخذ «بكس جيرك» القديم عدم المؤاخذة دون مقابل ...ثم تدفع له أجرة يده وتغادر آخر النهار الى البيت..في الطريق تضع الغيار الأول .الثاني..الثالث..الرابع تبدأ السيارة بالاهتزاز الشديد والرجفة ، اذن المشكلة نفس المشكلة،لم يحل «المعلّم» بها شيئاً...
في اليوم التالي لا يعترف الأخ بخطئه ويقول لك أن «بكس الجير» أصلا كان منتهي وكان واجب تغييره بكل الأحوال..تأخذه الى أخصائي آخر ،يمسح أصابعه ويده بخرقه لا لون لها ، ويفتح غطاء الماتور ، لتشرح له نفس الأعراض، فيلقي باللوم على الميكانيكي الذي قبله مستهزئاً بالتشخيص والتصليح «الفاشل»..ثم يسألك : بشرفك قديش اخذ منك؟..أجار أيده 50 و»بكس الجير»120 ..فيصفّر تصفيراً طويلاً وينفض يديه «شو هالحرمنة هاي»..وعندما تسأله عن علّة السيارة..يقول له «اذن الماتور عاضّة عمي»..وعندما ترجوه ان يقودها ليتأكد من التشخيص..يربت على صدره بكّفه ويقول : «ولو عندي..اسأل المدينة كلها عن ابو صلاح»!!..يرفع الماتور بجنزير ويخرط الإذن المعضوضة وتبقى في عهدته أربعة أيام متواصلة ، يأخذ حسابه كاملاً..ويسلمك السيارة..في الطريق ، الغيار الأول ،الغيار الثاني، الثالث ،الرابع، اهتزاز قوي جداً وارتفاع في الحرارة..
الأسبوع التالي «ابو صلاح» يصرّ على أن ما أجراه كان لازماً ولمصلحة السيارة ، ولا يعترف بخطئه البتة، مما يضطرّك الى أخذها الى مصلّح آخر، تجده للتو خرج من الحمام متوضئاً ولحيته تقطر ماء..ينشف يديه في بنطلونه ويطلب منك ان تفتح الغطاء..ثم تشرح له ما حدث لك مع المصلّحين السابقين ، فيقول : حسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة الا بالله..حسبي الله على من ياكل حراماً ويطعم اولاده حراماً،قال رسولنا الكريم بمعنى الحديث: من عمل منكم عمله فليتقنه»..وعندما تسأله عن علة السيارة يقول لك : انها بحاجة الى نُصّ أفرهول واضح من الدخان ومن رائحة الوقود..ولأنه أعطاك مقدّمات كلها ثقة تتركها لدى المصلّح وتعود اليه بعد أسبوع .تدفع له أجرته..وتقود السيارة..الغيار الأول ،الثاني، الثالث، الرابع، اهتزاز وحرارة وانحراف ودخان كثيف وصوت «تفقيع» وتعطل كامل...لقد «فرهلت السيارة» تماماً..
في نفس اليوم تأخذها على «ونش» على مصلح جديد..يمسح أصابعه بنفس الخرقة..يطلب منك ان تفتح غطاء الماتور..يرى العجب..»ويقول هسع جايبها..أفرهول كامل وتغيير ماتور..او شطب اوفر لك»..
المحصلة : كل مصلح يرمي خطأه على غيره ويخرّب فيها ما استطاع إليه سبيلاً..تا فرهلت السيارة ..
وهيك صار معنا في السياسة...
وغطيني يا كرمة
الرأي