السفراء وجلسات الإستماع في مجلس الأعيان
د.طلال طلب الشرفات
18-02-2018 02:50 AM
تعتبر السياسة الخارجية في الأردن من اكثر نقاط ضعف الحكومات في الأداء العام ولولا جهود جلالة الملك النوعية التي وضعت الأردن على خارطة الأهتمام الدولي لأضحت سياستنا الخارجية تائهة متهالكة ومصالحنا الوطنية فريسة للمصالح والمؤامرات الاقليمية والدولية ، سيما وأن الاردن يشكل الهدف الأهم لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الوطن وسيادته وهويته وثوابته الراسخة .
السفراء هم صورة الوطن وأنعكاس هويته وثقافته وملامح ابناءه ، والسفراء لسان الوطن ورائحة الخبز والشهادة ونكهة الرعيان والحراثين قبل اباطرة المال ودهاقنة السياسة ، والسفراء صوت جلالة الملك هناك والمعبرين عن سياستنا الخارجية والمتابعة الدقيقة لمضامين الانجازات الملكية في الخطاب الدولي والبناء عليه ، وهم فوق هذا وذاك يتوجب عليهم ان يحفظوا مصالح الوطن العليا وكرامة ترابه ومواطنيه .
ومجلس الأعيان – مجلس الملك الخاص – والمعين بارادة ملكية سامية يشكل خلاصة التجربة الوطنية وذروة الحرص على موجبات الثقة الملكية ومصالح البلاد العليا المنزهه عن كل هوى او ضغوط شعبية او حزبية او مصلحية ، ومجلس الأعيان احد ضمانات سلامة التشريع ونضج مخرجاته من خلال استخدام تجربته في ضبط التوازن بين مصلحة الأفراد والدولة ولجم انحراف المجلس النيابي عن ضوابط المسؤولية الوطنية في معالجة بعض التشريعات .
تعيينات السفراء وتحديد اماكن عملهم هو قرار لمجلس الوزراء وارادة ملكية سامية ، والطريقة التي يتم بها اختيار السفراء ما زالت تقليدية وغير ناضجة ولا تعبر عن احتراف في الأختيار وتنفيذ المهام ، فالدبلوماسية احتراف وقيادة وثقافة ونضج وادراك للرسائل التي ينبغي ايصالها للدول الاخرى ، والسفير – اي سفير – تتطلب مهام عمله ادراك طبيعة الثوابت الوطنية وتاريخ الاردن ومراحل بناءه وثقافة شعبه وملامح هويته الوطنية ، وبالمقابل عليه ان يكون ملماً بطبيعة النظام السياسي للدولة التي سيمثل الوطن بها والموروث الثقافي وتوجهاتها الاقتصادية والسياسية والمجالات التي يمكن التعاون بها .
كل هذه المهام تتطلب ان يكون السفير على سوية عالية من الاداء وان تكون المعايير الشخصية والمهنية في ذروة الايجابية والقدرة على توظيفها لخدمة الدولة ، وتلك المعايير لا يمكن لوزير الخارجية او مجلس الوزراء ان يرصدها بمهنية واحتراف لان الوزراء عادة ما يتم اختيارهم على اعتبارات شخصية وجهوية ومناطقية وشللية ،وأستناداً الى أن فاقد الشيء لا يعطيه فأن الحكومة لا يمكن ان تملك القدرة على اختيار السفراء ومناطق التمثيل وفق اسس المصلحة الوطنية العليا بعيداً عن الشخصنة ، اما مجلس الاعيان المحرر والمفترض انه متحرر من الضغوط فمن الممكن ان يسهم في وضع اسس موضوعية ووطنية لأجازة السفراء في العواصم المختلفة .
جوهر الفكرة التي ادعو اليها ليس في تعيين مجلس الاعيان للسفراء وانما المراقبة والفحص عند رغبة مجلس الوزراء في تعيين او نقل احد السفراء الى دولة ما بحيث تقوم لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاعيان بجلسة استماع لهذا السفير المرشح ، وتوجه له الاسئلة عن رؤيته للمهمة التي ستسند اليه وتفحص مدى قدرته على تمثيل الوطن بايجابية واحتراف وتوصي للمجلس بقدرة هذا المرشح او عدمها ، بمعنى ان لا يباشر اي سفير مهام في اي دولة قبل جلسة الاستماع والموافقة على ذلك من مجلس الاعيان .
ان هذه المهمة الاشرافية لمجلس الاعيان على مهام السفراء ضرورة وطنية وهو في ذلك لا يتدخل في تعيينهم باعتبار ذلك من صلاحيات مجلس الوزراء صاحب الولاية العامة وانما يكون له حق الفيتو في تعيين السفراء في الخارج دون فحصهم وأجازتهم ، وهذه المهمة لا تشمل سفراء المركز وانما السفراء المرشحين لعواصم خارجية ,
جلسات الاستماع لتعيين السفراء نجحت في دول عديدة ومنها الولايات المتحدة الامريكية ، اذ لا يعين ايشخص سفير في الخارج الا بعد عقد جلسة استماع له في لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي والموافقة على ذلك من اجل معرفة مدى قدرة السفير على تمثيل الدولة في الخارج باحسن حال .
آن الاوان لتعديل التشريعات التي تتيح استخدام هذا الخيار الوطني الذي يخلو من المخاطر التي قد تقلق الحكومة ، فالوطن لنا جميعاً وعلينا التكاتف لخدمته وبناءه بأفضل السبل وشتى الوسائل ، وحمى الله الوطن ,,,,!