الحب جنة في الأرض تحتاجها دولنا العربية لتستعيد وحدتها
سارة طالب السهيل
16-02-2018 03:01 PM
في عيد الحب الذي يتهافت فيه العشاق علي تبادل المشاعر الحانية تحقيقا لفطرتهم الانسانية، ويتبادلون فيه الهدايا ترجمة عن صدق مشاعرهم تجاه بعضهم البعض، فان هذه المشاعر نواة لمستويات عديدة من حاجة البشر للتحاب والرحمة وتآلف القلوب كحبنا لوالدينا وأبنائنا وأصدقائنا، وأوطاننا وقوميتنا وثقافتنا وهويتنا وصولا لمرتبة العشق الالهي الذي جسدته رابعة العدوية.
ولو نظرنا للحب في أعلي مراتبه لوجدناه قد تجلي في علاقة الخالق العظيم بنبي الرحمة محمد صلي الله عليه وسلم ، بل ان أعلي درجات كمال العبودية للخالق هي تلك القائمة الحب كما عبر عنها القرآن الكريم بقوله تعالي في سورة المائدة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " .
اذن فالحب ضرورة انسانية فطرية جبل الله عليها بني البشر الا من نزعها من قلبه وأحل محلها مشاعر الكراهية والبغضاء والتحالف والمؤامرات التي نعيشها في عالم اليوم بين دولنا العربية.
ولذلك، فان الحب لم ولن يكن مظهرا ترفيا او مجرد رفاهية انسانية، بل هو حاجة نفسية تحقق التوازن النفسي للأفراد والمجتمعات، فقد نملك المال او الجاه او السلطة والأبناء لكننا نفتقر للسعادة نتيجة غياب عنصر رئيسي فيها وهو الحب.
فقد تملك دولة كل مظاهر القوة العسكرية والاقتصادية والبشرية ولكنها تخلق مشكلات وتصنع عدوات لها مع دول الجوار فلا تجد راحة ولا تشعر بالأمان والسلام رغم قوتها!
يأتي عيد الحب، و نحن في عالمنا العربي قد هجرناه بعد أن تبعثر الحب بين الاشقاء العرب، وتناسي الكثيرون العديد من الانشودات الخالدة التي عكست معاني التلاحم العربي بالحب والرحمة كما في أنشودة " وطني حبيبي الوطن الاكبر " التي شدا بها عمالقة الغناء في عالمنا العربي.
الأنكي من اننا قد هجرنا الحب، فإننا قد تحولنا الي أعداء، كل دولة عربية جارة تعادي شقيقتها، بل ان أبناء الدولة الواحدة يتقاتلون فيما بينهم تارة من أجل المذهب الديني او السياسي او المصالح الشخصية الزائلة، بينما يفتك بنا طيور الظلام من الارهابيين والتكفيريين في معظم أقطارنا.
فأين هي قلعة الحب العربي؟ ولماذا انهارت بهذه السرعة الفائقة؟ وكيف سمحنا كشعوب عربية ان تتحول دولنا الي غابة تتقاتل فيها وحوش الانسانية تستبيح الدم العربي في كل مكان وتغتال الاطفال الصغار في اليمن والعراق وسوريا وتيتمهم، وترمل النساء، وتقضي علي الأخضر واليابس ولا تترك شيئا للمستقبل سوي اعتصارنا للألم؟
سنوات كئيبة مرت علي شعوبنا العربية لم نعرف فيها سوي لغة القتل والدمار والذبح والقصف والإعدام، رائحة الموت تشتم في كل مكان، والدم يغطي وجه اليابسة بدلا من الزرع الأخضر، وحل صوت البنادق والصواريخ محل أغصان الزيتون، والقتلى منتشرون في الطرقات كأوراق خريف بالية، بينما الأحياء بأجسادهم منا يعيشون في خوف ورعب وقلق لانهائي.
فكيف نغير لغة الحرب المنتشرة بين أقطارنا العربية وبين أبناء الوطن الواحد؟ أي عقل وأي فكر جعلنا مرضي لجهالة البغضاء والحقد والعداوة بيننا؟ ولماذا نستسلم بكل سهولة أمام شيطان التباغض بين أقطارنا في حين ان العلاج سهل وميسر وهو الحب الذي يملأ قلوبنا طمأنينة وسعادة وأمل.
ولماذا نحرم أنفسنا شعوبنا من نعمة الحب الذي يملأ قلوبنا بالراحة ومجتمعاتنا بالأمان، فوفقا للعلم البشري فقد حدد العالم النفساني ماسلو، الذي بنى هرم احتياجات الإنسان الأولية من طعام وشراب، حاجة الإنسان إلى الإحساس بالعاطفة والطمأنينة، أي الحاجة الى منح الحبّ وتلقّيه، فيما يتفق المحللون النفسيون على أنّ الحب احتياج قائم بحد ذاته لتحقيق التوزان النفسي.
فاذا كان الحب علي هذا النحو من الأهمية في حياتنا، فلاشك اذن اننا نعمل جميعا علي نشر ثقافة التحاب والرأفة والرحمة بين أبناء مجتمعاتنا، وان نبذل قصاري جهدنا في ان يحل الحب والوئام محل العصبات القبلية او المذهبية والدينية أو السياسية الرخيصة التي تهوي ببني البشر الي مستنقع سحيق ويحكم عليه بالفناء، بينما الحياة هي حب وتفاؤل وبناء.
في اعتقادي ان التراجع القيمي والاخلاقي الذي انتشر في عالمنا العربي كالنار في الهشيم، وانعكس بدوره علي كل مفردات حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكلها شهدت تراجعا حادا في قياساتها مرجعه كله الي غياب الحب في حياتنا.
أظن اننا في أشد الحاجة لأن نعمل عقلنا ونفتح بصيرتنا لحاجتنا الي حب والانتصار له كقيمة عليا تفرضها علينا فطرتنا السوية، فلا أمل لوجود مجتمع عربي متماسك قوي البنيان بمعزل عن اعلاء الحب القيمة الأكبر في مفاهيمنا وتصوراتنا وعلاقتنا اليومية بالكون والطبيعة، والتفاعل السوي بين أفراده لا يتحقق الا بالحب كقيمة وجودية حقيقة وليس ترفا او هزلا.
والحب مثله مثل الكائن الحي ينمو ويترعرع كالزرع الاخضر اذا ما سقي بماء التراحم والتسامح، وهو ما يقودنا الي تصالحنا مع أنفسنا ومع الأخرين وحينها ينمو الحب ويستوطن بلادنا و شعوبنا وأعمارنا.
وقد قرن سيد الخلق والرسل سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الايمان ورزق الجنة بالحب في حديث صحيح قال فيه : " لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشو السلام بينكم" .
وهذا الحديث الشريف يحمل دلالات عميقة لقيمة الحب في جوهرها، ومن هذه الدلالات الفارقة هو اننا يمكنا ان نحول حياتنا الي جنة علي الارض بالحب، وقد نحولها الي جحيم بهجر الحب.
وفِي الختام فقط لو نطبق ما قاله سيدنا يسوع المسيح عليه السلام لعشنا في خير و سلام نحن كعرب و جميع القوميات التي تعيش بيننا او بجوارنا في الشرق الأوسط و العالم
أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردوكم" (مت5: 43، 44).
كل عام و انتم بحب