لماذا نعشق المواقف الارتجالية .. ؟
17-03-2009 07:39 PM
لعل من اهم متطلبات أي عمل ناجح ، هو الالمام بكل جوانبه ، ودراسة كل المعطيات والاحتمالات ، ثم التخطيط لتنفيذه ، وبغير ذلك يكون العمل ارتجالا ، قد ينجح احيانا بفعل الحظ او الصدفة ، لكنه قد يفشل احيانا كثيرة ، هذا الامر ينطبق على كل اعمالنا الخاصة ، وبالنتيجة فان انعكاسه سلبا او ايجابا هو على الشخص والاشخاص انمتأثرين به .
لكن الارتجال فيما يخص مصلحة الوطن ، هو اخطر بكثير مما سبق ، لان التأثيرات ، وبالاخص السلبية تنعكس على الوطن والشعب ، وهذا يحمل في ثناياه احتمال كارثة وطنية ، سواء كانت اقتصادية او اجتماعية او عسكرية .
الارتجال كان السمة الابرز للعمل العربي في مواجهة الازمات والاخطار ، واخص هنا صراعنا مع اسرائيل ، المستمر منذ اكثر من ستين عاما ، قادتنا العواطف الى العديد من الكوارث او الفشل ، اعتمدنا مبدأ "وين راحوا النشاما" في معظم معاركنا ، لان ثقافة العيب ايضا لها تأثيراتها علينا ، ولان الارهاب المعنوي ينتظر من لا يشارك بالفزعة ، حيث تهم التقاعس والتهاون هي اقل ما ينتظره .
هكذا كان حالنا عام 1948 حيث دخلت الجيوش العربية الى فلسطين ، بدون تخطيط وتنسيق وعتاد ملائم ، وقد لا يلام القادة العرب كثيرا في ذلك ، فقد كانت اولى مراحل الصراع ، لم تتح فرصة لتقدير قوة عدوهم ، لكن ما حدث عام 1967 كانت مأساة اخرى غير مأساة ضياع الارض والشعب ، مأساة الارتجال بعد ما يقارب العقدين من الزمن ، كان الواجب فيها يقتضي ان نكون على معرفة بعدونا وقدراته ونجاعة تخطيطه ، لقد طلبت مصر حينها سحب قوات الطواريء الدولية من سيناء ، واغلقت مضائق تيران ، ومنعت السفن الاسرائيلية من الوصول لخليج العقبة ، كل ذلك تم خلال فترة قصيرة سبقت الحرب ، بعد تهديدات اسرائيلية لسوريا ، وانضم الاردن لاحقا الى المعركة ، واغلب الظن ، انه فعل ذلك حتى لا يتلقى سيلا من التهم ، التي كانت تتطاير عبر الاثير ، وانا على يقين ، انه لو ترك الخيار للقيادة الاردنية ، ان تتخذ الموقف العقلاني ، لما شاركت في هذه الحرب ، التي ثبت لاحقا ، انها فعل عاطفي غير منظم وغير مخطط له .
جاءت معركة الكرامة ، التي نحتفل بذكراها الحادية والاربعين بعد ايام ، لينتصر فيها الجيش العربي الاردني ، دفاعا عن ارضه وثأرا لعار حزيران ، أي كان هناك ما هو اقوى من التخطيط والاعداد ، كانت اليقظة ، وكانت الارادة الصلبة ، ارادة التحدي وغسل العار ، لقد كانت معركة استثنائية ، في ظرف استثنائي .
ثم جاءت حرب تشرين 1973 ، التي خاضتها سوريا ومصر ، كاول حرب خطط لها العرب ، واعدوا لها الاعداد الملائم ، بعد ان اخذوا العبرة من الهزائم السابقة ، التي كان الارتجال دافعها الرئيسي ، سبق هذه الحرب اجواء ايجابية ، سادت العلاقة بين العرب ، توقف الردح الاعلامي ، وارتفعت في سماء العروبة ، رآية التضامن العربي ، فكانت النتائج بعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف ، والعبور الى الجولان ومشارف بحيرة طبريا ، وافشال نظرية ايغال الون ، التي اعتبرت الجولان سدا منيعا لحماية اسرائيل ، ولم يكتمل النصر بسبب ما قيل عن ثغرة الدفرسوار ، التي اعتبرها البعض تلفزيونية ، هدفت الى تمزيق التفاهم السوري المصري ، وما قيل ايضا عن تخطيط احد اطراف الحرب كي تكون حربا تحريكية لا تحريرية ، ومع ذلك سمعنا من قال ، انه كان على الاردن ان يدخل الحرب من جبهته ، رغم ارساله قواتا الى الجولان ، لان طريق القدس كانت سالكة ، أي انه اريد للاردن ان يغامر في معركة لم يعلم بها ، ولم يخطط للمشاركة بها ، مستفيدا مما سبق من تجارب ، فكان حسنا ما فعله .
هذه نماذج عن انعدام التخطيط لدى الانظمة العربية ، وما ادت اليه من نتائج كارثية ، نضيف لها نماذج شبيهة من تنظيمات بارزة على الساحة العربية ، فبعد العدوان الاسرائيلي المدمر على لبنان صيف عام 2006 ، اعلن الامين العام لحزب الله اللبناني ، انه لو كان يعلم بان الرد الاسرائيلي سيكون بهذا العنف والاتساع ، لما اقدم على خطف جنديين اسرائيليين في جنوب لبنان ، واظن ان بعضا من قادة حماس ، ربما سيقوولون انهم اخطأوا بوقف الهدنة اواخر العام الماضي ، فكان العدوان الهمجي على غزة .
اسوق هذه الامثلة ، على عدم الاعداد والتخطيط ، ونحن نتأسى لوجود وفد نيابي وشعبي اردني ، عالق في معبر رفح ، ذهب في مهمة وطنية قومية نبيلة ، للتضامن مع الاخوة في القطاع الصامد ، فكان الرفض المصري ، المبرر او غير المبرر ، لعبوره الى غزة ، وبالتالي عودته الى الاردن دون اتمام مهمته النبيلة ، فقد كان الاولى بهولاء الاخوة ، التنسيق اولا مع مجلسهم النيابي ، ومع الحكومتين الاردنية والمصرية ، فقد قيل الكثير من العتب من قبلهم ، وقيلت الكثير من التبريرات التي تبدو مقنعة ، من الاطراف الاخرى ، ونحن بانتظار المزيد من السجال حول هذا الموضوع في الايام القادمة ، لنتبين فعلا وجود الاعداد والتحضير الملائمين ، ام كانت المهمة ارتجالية .
m_nasrawin@yahoo.com