لا أستثني نفسي من حالة يعاني منها غالبية الأردنيين بسعيهم المتواصل نحو كرسي الوظيفة الحكومية ، فقلما تجد أردنيا هانئا راضيا بما قسم الله له من رزق قل أو كثر نتيجة مهنة حرة اختارها لنفسه أو أرغم عليها وأبدع فيها أم لم يبدع ، فالأمل لدى كل واحد منا معقود على الوصول إلى موقع حكومي وعينه كحد أدنى على إحدى الميزات المتحققة من خلال ذلك الموقع ، ولا بأس من الحصول عليها جميعا إن ابتسم الحظ وأخلصت الواسطة وتبوأ إحدى الوظائف العليا .
فئة من الأردنيين تسعى للوظيفة الحكومية لا تنشد من ذلك سوى تأمين دخل شهري ثابت وبطاقة تأمين صحي مقابل جهد متواضع لا يجدي مثيله نفعا في القطاع الخاص ، فئة أخرى عيونها على المراتب العليا طمعا في مزايا وامتيازات ما أنزل الله بها من سلطان ولم يأت بها قانون أو تعليمات وإنما تأتي اغتصابا من المعني أو تبرعا عن غير وعي من الآخرين ، تبدأ بسيارة فاخرة ذات لوحة حمراء يستعملها صاحب الحظ السعيد متى يشاء وكيف يشاء ، يستقبلها شرطي المرور بالتحيات بدل المخالفات ، تحضى باحترام الجمهور في كل المناسبات ، هيبتها تغني الجميع عن التدقيق في شخصية راكبها ، إن تحدث ولو شططا استمع له الجميع ، رغباته أوامر واقتراحاته عين الصواب ، يستمتع بمديح الصادق والكذاب ، لو ذهب سائقه منفردا لمراجعة إحدى الدوائر لأنجز له كل المعاملات دون تدقيق أو طلب إثبات ، أما إن عبر شخصيا من إحدى نقاط الحدود أوالمطارات فلا جمارك أو استجوابات ، حتى أبناؤه في المدارس والجامعات تختلف إليهم نظرة المعلمين والمعلمات ، باختصار من يتقلد في بلدي منصبا رفيعا وكأنما فتحت له أبواب السماوات ، فالوظيفة العامة أصبحت مكسبا لصاحبها وأصدقائه وذويه وليست عبئا وأمانة ثقيلة تجعله يتردد في قبولها ويراجع حساب مؤهلاته وإمكاناته ، لذلك فأي منا لا يمانع بل يطمح بأن يكون وزيرا لأي وزارة دون أن يرف له جفن أو يخاف حساب ضمير ، فلديه من الأمثلة الكثير ، ممن دخل الوزارة أو خرج منها دون أي تبرير ، أو كانت عقوبته النقل لوزارة أخرى إن وجد في أداءه تقصير ، وقد تكون مكافأته الخروج في أول تعديل إن هو أحسن الأداء والتدبير .
لو لم تكن كذلك حالنا ، ما المعنى في تقاطر الوفود المهنئة إلى بيت ومكتب الجالس الجديد على الكرسي ؟ وتقديمه أفخر أنواع الحلويات ، وسط ابتهاج العشيرة وزغاريد النشميات ، هل كل ذلك ابتهاجا بتحمل مسؤولية ؟ أم انتصارا لبرنامج إصلاحي ؟ قرأه علينا قبل أن يتبوأ مقعده .
لن نشفى من هذه العقدة إلا بالإحتكام للكفاءة عند التوظيف أو التوزير ، والتعامل مع الآخر كإنسان ومواطن دون النظر لموقعه الوظيفي ، والتوقف عن النفاق والتزلف للموظف الكبير .
المهندس مصطفى الواكد.
mustafawaked@hotmail.com