قلبي على الأردن
اللواء المتقاعد مروان العمد
14-02-2018 11:57 AM
في هذه الأيام وفي هذه الظروف فأن قلبي على الاردن. وان خوفي عليه يصل الى درجه الهلع. البعض قد يرى موقفي هذا تشاؤما مبالغاً فيه وهذا ما اتمناه من كل قلبي. والبعض قد يعتقد ان هذا الموقف مبني على معلومات خطيرة وسرية لدي وهذا ما انفيه. لكن موقفي هذا نابع من تجاربي ومتابعاتي للأحداث التي مرت بها المنطقة وربط الخيوط ببعضها وتحليلها واستخلاص التوقعات منها.
بالنسبة للأردن فقد كان منذ البداية في عين الحدث وكان هدفاً للربيع للعربي الذي كان قد اندلع في تونس ثم امتد الى ليبيا ومصر ثم اليمن وسوريه والذي كان الغاية منه تقسيم دول هذه المنطقة واستبدال انظمه الحكم فيها بأنظمة مذهبيه وعرقية مختلفة متصارعة ، وتمكين أنصار الاسلام السياسي المعتدل من السيطرة على بعض هذه المناطق متخذين من التجربة التركية مرشداً . ولخلق شرق اوسط جديد على الطريقة الأميركية. ولهذا وبعد ان انتهى ربيع مصر بسيطرة الاخوان المسلمين عليها، وبعد انتخاب محمد مرسي رئيساً لجمهوريتها برزت أصواتا على الساحة الأردنية تهلل فرحاً باقتراب قفزها الى كراسي السلطة واخذت المسيرات التي تحاكي تجارب الربيع العربي في الدول الاخرى تتكرر في جميع مدننا وبلداتنا. واخذت هذه المسيرات ترفع من سقف شعاراتها حتى طالت سيد للبلاد وطالبت بحصر سلطاته بل ذهبت في الكثير من الأحيان الى ابعد من ذلك. وتحولت هذه المسيرات الى استعراضات عسكريه والى ملثمين يسيرون بملابس وخطوات عسكريه ويرفعون شعارات جماعتهم وحزبهم. وقد ترافق مع ذلك حرباً اقتصاديه قامت بها التنظيمات الإرهابية في سيناء والتي كانت ولا زالت تحظى بدعم ومناصره اخوان مصر وأخذت في تفجير انبوب الغاز القادم الى الأردن وسط سكوت ومباركه نظام محمد مرسي لغايه هدم الاقتصاد الأردني وبالتالي هدم الدولة الأردنية للقفز عليها وما ترتب عليه هذا الامر من خسائر ماليه للأردن. ولكن حنكة القيادة الهاشمية الأردنية واستيعابها لكل هذه المسيرات والحركات وعدم استخدام الحل الأمني. ولوعي الشعب الأردني الذي لم تجرفه شعارات الشارع ولا شعارات الربيع العربي، ولتعثر هذا الربيع في دوله وتحوله الى حروباً اهليه اكلت الأخضر واليابس ودمرت البلاد والعباد ولسقوط نظام مرسي على يد السيسي كان له أثره في فشل هذه المحاولة واندثارها دون ان يزول الحلم بإمكان تحقيقها يوماً ما.
تلا بعد ذلك فتره كانت هنالك حاجه للأردن لتشكيل التحالف الدولي لمحاربه الاٍرهاب والاستفادة من موقع الأردن في قلب دائرة الربيع العربي . ولجعله نقطه لجوء وأمان للهاربين من ربيع بلادهم. كما كان للقيادة الهاشمية وثقلها الدولي درع حماية لامتداد الربيع العربي اليه. الا انه مع تتطور الأحداث في دول الربيع العربي وخاصه في كل من سوريه والعراق واقترابها من خواتيمها ووصولها الى مرحله توزيع الغنائم رُصدت تغيرات جذريه في التعامل مع الأردن ولدوره في المنطقة. وكانت البدايات في العمل على تحجيم الدور الذي يقوم به الاردن على المستوى أزمات المنطقة. فبعد ان كان للأردن دوراً في الأزمة السورية وإيجاد منطقه خفض التوتر في الجنوب السوري بهدف توفير الأمان لسكان هذه المنطقة وابعاد المليشيات الإيرانية عنها فقد اصبح يقوم بهذا الدور تنسيق أمريكي روسي إسرائيلي بتوافق مع النظام وقوى المعارضة وظهر ان الهدف الرئيسي من هذه المناطق هي حمايه اسرائيل وليس الأردن .
كما لوحظ في الفترة الأخيرة تجاهل صهيوني كبير للدور الأردني في المنطقة سواء على ولايته الدينية الهاشمية على الإمكان المقدسة او على مستوى التنسيق المشترك المتبادل لتخفيف حالات التوتر ومعالجه الاشكالات اليومية التي تحدث . وكانت البداية من حادثه استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر على الجسر على يد أحد عناصر الجيش الصهيوني اثناء ان كان في طريقه لزيارة أقاربه في الضفة الغربية، حيث تجاهلت السلطات الصهيونية المطالبات الأردنية المتكررة لأجراء تحقيق بهذه الحادثة ومعاقبه الجندي القاتل. وكما وانه وبعد تشكيل هذه اللجنة فقد مارست السلطات الصهيونية اُسلوب المراوغة والتسويف في أجراء التحقيق. وعندما حصلت مشكله البوابات الالكترونية على بوابات الأقصى فقد تعمد الجانب الصهيوني تجاهل محاولات صاحب الولاية الدينية على هذه المناطق لإيجاد مخرج لهذه الأزمة ، في حين استمعت تلك السلطات لجميع التدخلات وفي النهاية نُسب فضل حل الأزمة لدولتين عربيتين لم يكن لهما دور في السابق بهذا المجال . ثم جاءت قضية السفارة الصهيونية في عمان والتزام الأردن بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحماية الدبلوماسية على ان تقوم تلك الدولة بواجبها اتجاه هذه الاتفاقيات وان تقوم هي بمحاكمه حارسها القاتل. الا انها تصرفت بكل عنجهية واستهتار إزاء المطالب الأردنية. وكان واضحاً انها تريد إلغاء الدور الأردني بالنسبة للقضية الفلسطيني والغاء الولاية الهاشمية على الأماكن المقدسة وتوكيلها الى جهة دولية او عربية أخرى.
ومن ناحيه اخرى فقد تم اجراء حصار اقتصادي شديد على الأردن لا يقل اثره وضرره عن الحصار الذي فرض عليه اثناء الحرب الثلاثينيه على العراق . وكانت البداية في محدودية المساهمة الدولية المالية في كلف إقامة المهاجرين السوريين في الأردن وعدم الاعتراف الا بالمقيمين في المخيمات كلاجئين متجاهلين الأضعاف المضاعفة من اللاجئين السوريين المقيمين خارج المخيمات وما يترتب على ذلك من تكاليف في توفير الطعام والدواء والماء والتعليم والسكن لهم في دوله تعتبر الأفقر بتوفر هذه العناصر فيها حتى لأبناء شعبها .
ثم اكتمل الامر بإيقاف جميع المساعدات المالية التي كانت ترفد الخزينة الأردنية من الدول الخليجية والاستعاضة عنها بصناديق استثماريه ولدت ميته ، مما زاد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية الأردنية والتي من خلالها دخل صندوق النقد الدولي على الأردن ووضعه امام خيار واحد لا ثاني له يتمثل بوقف الدعم عن السلع المدعومة وفرض ضرائب جديده على العديد من السلع لتوفير متطلبات هذا الصندوق .
ثم كانت الضربة الكبرى وهي اعلان ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة تاريخية وأبدية لإسرائيل ونقل عاصمه بلاده اليها وإعلانه ان قيام بلاده بذلك يخرج القدس من دائرة المفاوضات ما بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي ، الامر الذي كرر قوله اكثر من مره . وقوله ان الحل أصبح دولياً ولا يشترط به أخذ رأي الفلسطينيين. يضاف الى ذلك ما اشيع عن موافقه الإدارة الأمريكية على قيام اسرائيل بضم مستعمراتها في الضفة الغربية اليها رغم نفي الإدارة الأمريكية لذلك لاحقاً ، مع معارضه الأردن لهذه الإجراءات والتهديدات الأمريكية لكل من عارضها .
ويأتي بعد ذلك الحديث الذي يدور عن صفقه القرن والتي تم تسريب بعض ملامحها والتي تلغي حل الدولتين وتفرض الحل الذي يرضي الجانب الاسرائيلي وهو حل الدولة الواحدة اليهودية الهوية . وان ما يتبقى اما ان يكون ادارة محلية هزيلة او يتم الحاقها بالأردن لتتولى هي هذه الإدارة الهزيلة. وأما ان تكون هناك دوله يهودية غربي النهر ودوله فلسطينية شرقي النهر وهو الحل الذي عُقد له مؤتمر في القدس قبل أشهر بدعم من حزب الليكود وبحضور عناصر يطلقون على أنفسهم ائتلاف المعارضة الأردنية بالخارج بقيادة الصهيوني الأردني مضر زهران وتحت عنوان الخيار الأردني . وهذا يعني ان الأردن هو الحل وهو الدولة الفلسطينية الموعودة الامر الذي ترفضه القيادة الأردنية والفلسطينية ويرفضه الشعبان الأردني والفلسطيني.
وحتى يمكن ان يكتب لهذا الحل التطبيق فلا بد من تغيير بعض التوازنات على الارض .
واذا ربطنا العناصر السابقة ببعضها فأننا نجد ان هناك خطه لتجاهل الدور الأردني بقضايا المنطقة بما فيها القضية الفلسطينية وإظهاره بمظهر الضعيف للعاجز عن الدفاع عن حق مواطنيه مما قد يؤدي الى تأليب مواطنيه على نظام حكمه وانفضاضهم عنه . كما ان زياده الضائقة المالية التي يعيشها تهدف الى خلق شرخ ما بين الشعب الأردني والقيادة الأردنية .
وهنا وجدت هذه القوى الدولية ان الظروف أصبحت مهيأة لكي يتم اللعب في الورقة الأردنية وزعزعة استقراره لخلق ظروف مناسبه لفرض الحلول المرسومة له . وهنا وجدت دوله الصهاينة ان الوقت قد حان لأعاده فتح غرفه عملياتها في عمان فقدمت بعض التنازلات ودفعت بعض التعويضات وطرحت اسم سفير جديد خبير في شؤون الشرق الأوسط وسبق وان عمل في السفارة الصهيونية في عمان لثلاث سنوات ويجيد العربية بطلاقه ولديه العديد من الابحاث في الشؤون الإسلامية ويحمل الماجستير في الاسلام المتشدد . أي الشخص المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب .
وقد استخدمت هذه القوى عده اسلحه لتحقيق هذه الغاية وكان أولاها استثمار حاله الفساد المالي والاداري التي استشرت في البلاد وحالات الخصخصة وبيع مقدرات الوطن ، واموال الشركات التي اختفت وعدم ملاحقه الفاسدين والمختلسين والفساد الاداري والمحسوبية في التعينات والترفيعات وتخصيصها للأقارب والخلان . وحالة العجز الحكومي الاداري والاقتصادي واستسهال جيب المواطن لتوفير الاحتياجات المادية حسب متطلبات صندوق النقد الدولي وما ترتب عليه من رفع الأسعار وخاصه على الخبز قوت المواطن الفقير لزيادة احتقان الشارع الأردني والتضيق عليه ودفعه للنزول للشارع .
وكانت نقطه البداية واشاره الانطلاق ما حصل قبل ايّام من رفع الاسعار ، حيث انه بتاريخ الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني حصلت عمليه سطو مسلح على فرع بنك الاتحاد في عبدون وتمكنت اجهزه الامن من اعتقال الفاعل خلال ساعه واحده من وقوع الحادث وقد سببت هذه العملية وغرابة توقيتها وأسلوبها ردود فعل واسعه على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مستنكر للجريمة وادانة لفاعلها ، وما بين مستنكر لها ولكنه متعاطف مع فاعلها وتبرير ذلك بالظروف المعيشية الصعبة في الأردن وربطها بارتفاع الأسعار الذي لم يكن قد بدء أصلا . أي انها ليست لها علاقة برفع الأسعار الأخيرة. لكن ما حدث بعدها امر يثير الكثير من الاستغراب والريبة وعلامات الاستفهام. فقد توالت حوادث السطو المسلح في عده اماكن واهداف وبطرق مختلفة وفترات متقاربه وبشكل غير معهود في الأردن، وكان دائما يتم تبرر هذا الفعل بالغلاء وارتفاع الأسعار مع ان العديد من هذه العمليات نفذت من أشخاص مقتدرين ويملكون سياراتهم الخاصة التي استخدموها بتنفيذ جرائمهم او من بعض اصحاب الأسبقيات الجرمية . وكما ان من يسرق من الجوع يسرق على قدر حاجته من الطعام ولا يقوم بسرقه عشرات الآلاف من الدنانير من البنوك . وقد بدا واضحاً انه اما ان يكون وراء هذه العمليات تخطيط معين او انه تم استغلال الظروف من قبل بعض الخارجين على القانون للقيام بهذه الجرائم ، ثم تم توظيف هذه العمليات من أطراف أخرى للمبالغة في توصيف الحالة الاقتصادية في البلاد وان الناس أصبحوا لا يجدون وسيله للعيش الا بالسطو المسلح ، وانها فقدت حاله الامن والأمان الذي كانت تتصف به . مع ان جميع عمليات السطو المسلح قد تم الامساك بمرتكبيها خلال لحظات او ساعات باستثناء عمليه واحده . كما حصلت في نفس الفترة عده محاولات للتهديد بالانتحار بقتل النفس وقتل الأبناء بحجه ارتفاع الأسعار والفقر وكانت جميعها تنتهي بالعدول عن الانتحار ولكن يتم استثمارها لزياده الإحساس بعمق الأزمة الاقتصادية في البلاد .
ومع مطلع شهر شباط الحالي موعد تطبيق الزيادات على الأسعار فقد تنادى عدد من النشطاء السياسيين والاجتماعيين للتظاهر والاعتصام للاعتراض على هذه الزيادات التي أصبحت فوق قدره المواطن العادي وذلك في أنحاء متفرقه من البلاد وبطريقه سلميه ومستخدمين حقهم الدستوري والقانوني لكن طفى على سطح هذه الأحداث عده ظواهر تشير الى انه مخطط لها ومن قبل جهات وأطراف تريد توسيع الاحتجاجات وتحويلها الى صدامات مع الأجهزة الأمنية وإيقاع البلاد في الفخ الذي وقعت به دول الربيع العربي الأخرى .
فقد شهدت بعض هذه الاعتصامات اعمل شغب وحرق لممتلكات عامة ومهاجمة اخرى بالحجارة . كما شهد بعضها إلقاء كلمات خرجت عن إطارها وتضمنت تهديدات بالحرق والتدمير والتخريب والقتل وسط تهليل المتواجدين . كما تخلل الاعتصامات إلقاء كلمات من أشخاص رفعوا درجه النقد والاحتجاج الى الهجوم والتجريح على سيد البلاد والقول ان اطفالهم يموتون من الجوع بسبب ارتفاع الاسعار ألذي لم يكن قد مضي عليه غير ايّام قليلة، وهم في حقيقتهم يسعون الى استغلال حاله المحتجين من الطبقات المسحوقة والمتضررة وشحنها ودفعها الى ارتكاب اعمال الشغب . كما انه وبصورة مفاجئة ولكن توحي انها معد لها مسبقاً فقد انتشرت في وسائط التواصل الاجتماعي كميه كبيره من الفيديوهات التي كان قد تم تصويرها بفترات زمنيه سابقه وخاصه خلال عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٣ على انها أحداثاً حاليه وبما تتضمنه من شعارات وهتافات وأعمال عنف . كما تم نشر مقاطع فيديو سابقه قد تكون اثناء مباريات الفيصلي والوحدات من هتافات وشتائم متبادلة على انها تحصل بالشارع الآن ما بين أبناء الوطن الواحد بهدف إيقاع الفتنه بينهما. بالإضافة الى العديد من الفيديوهات المفبركة والمقالات التحريضية والتي ورد في احداها ان الأردن يعاني من مجاعة وان الكثيرين يموتون جوعاً يومياً ولا يعلن عن ذلك وأن الصومال أصبحت تتفوق علينا بالتقدم العلمي والتكنلوجي والطبي .
كل ذلك يوحي بل يؤكد ان هنالك من يحرك الخيوط من الخلف ويسعى لإشعال النيران مستغلاً معاناه المواطنين ونزولهم للشارع للاعتراض على سياسات الحكومة لتحويلها الى صدامات مع الأجهزة الأمنية والى الخروج على النظام لتغرق البلاد في الفوضى وتنهي حاله التفافهم مع النظام مما يسهل عليها تنفيذ أجنداتها في الأردن ، تمهيدا لتطبيق مشاريع السلام في المنطقة التي سوف يجري تقاسمها بين الدول الكبرى واقامه الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن . وهذا مصدر قلقي وخوفي
لكن هذا القلق والخوف سوف يتبدد اذا لم يسمح المحتجين على قرارات الحكومة للعناصر التي تسعى لإيقاد نيران الفتنه ان تجرفهم اليها وان يحافظوا على سلميه احتجاجاتهم وتحركاتهم حتى تلبى مطالبهم وبطريق سلميه وان يكونوا حراساً على الأردن وحريصين عليه مثلما هم حريصين على تحقيق مطالبهم . فهل يفعلون ذلك ؟
وحمى الله الأردن من شر الفتنة وحماه من الفساد والفاسدين ومؤامرات الأعداء الطامعين .