حقق كتاب الأسترالية (بروني وير) الموسوم بـــــــــــ (أكثر 5 أسباب للندم على فراش الموت)، أعلى المبيعات في أستراليا والعالم.
لن يهتم بهذا الكتاب أغلب الشباب، ولن يفيد منه معظم كبار السن، لكن ربما يهتم به مَن هم في منتصف العمر، فقد يكون ملهما لكثيرين منهم، وربما يبصّروا أبناءهم أو تلامذتهم ... بصدق محتواه لاسيما أنه صدر عن أناس نطقوا بخلاصة تجربتهم في الحياة في أيامهم الأخيرة وقت لا يحتاج الإنسان لتمثيل أو تزييف للحقائق لا سيما في البيئة التي كتب فيها الكتاب.
فصْدق البوح أهم ما يميّز تلك اللحظة بعيدا عن الخوف من حكم الآخرين عليهم أو على حياتهم التي عاشوها، وقد يجعل هذا الموقف الإنسان أكثر انفتاحا على الآخرين، فيكشف أسراره الدفينة أمامهم، ويكشف عن رغبات وأمنيات مجللة بكثير من الندم على ما فات، ويبيح بكلمات صادقة صادرة عن نفس نادمة.
كشفت (بروني وير) في كتابها عن ظاهرة الرؤى الواضحة، التي يكتسبها الناس في نهاية حياتهم، فعلى فراش الموت يكون الوقت كافياً أحيانا للكلام، وكانت (بروني) التي تعمل على رعاية هذه الفئة من المرضى لأكثر من 15 عاما، تستمع لهم، وتدوّن أمنياتهم بكل ما فيها من آهات الندم، وحسرات العمر الذي ضاع وفي النفس حاجات كما هي، لا سيما ما ترتب على قرارات اتخذوها بحق أنفسهم وكان بوسعهم ألا يفعلوا، وأخرى لم يحققوها كسلا أو إهمالا. فما هي أكثر خمسة أمور ندم عليها هؤلاء مثلما جاءت في الكتاب:
الأمنية الأولى: قالوا لو أنهم كانوا يمتلكون الشجاعة ليحييوا الحياة الحقيقية التي يحبونها، لا تلك التي توقعها الآخرون لهم...
كانت هذه الأمنية من أكثر الأمور التي ندم عليها كل من رافق الكاتبة، فعندما يدرك الإنسان أنه على وشك الرحيل، يسترجع شريط الذكريات، ويتوقف عند محطات العمر، ويختبر بوضوح في تلك اللحظة حياته، فيصبح من السهل عليه رؤية الأجزاء التي ذهبت بعيداً دون أن تتحقق لاسيما تلك التي اختارها بإرادته، أو التي تغاضى عنها.
أما الأمنية الثانية، فكانت: ليتني لم أعمل بجهد كبير... صدرت هذه الأمنية عن كل رجل مريض، أو امرأة مريضة رعتهم الكاتبة، فلم يشهدوا مراحل طفولة أولادهم، ولم يقضوا الوقت الكافي مع أزواجهم، فندموا ندما شديدا بسبب قضاء معظم أوقاتهم في العمل.
والأمنية الثالثة كانت: لو أنهم امتلكوا الشجاعة ليعبروا عن مشاعرهم، وهذه الأمنية تمناها كثير منهم ممن قمعوا مشاعرهم كي يحافظوا على علاقاتهم مع غيرهم، أو كتموها حفاظا على مشاعر الآخرين ومصلحتهم، ونتيجة لذلك، فقد استسلموا للحياة، وعاشوا بمرارة، وحملوا في قلوبهم ضغائن تطورت معهم نتيجة طبيعية؛ لذا تمنى هؤلاء لو أنهم أخرجوا ما في صدورهم، وعبروا عن مشاعرهم، ولا مانع من التماس الأعذار أحيانا للآخرين، للتخلص من البغض الذي قد يصل إلى حد الكراهية، فالتعبير عن المشاعر سلبا أو إيجابا ضروري، وإلا قد يؤدي إلى الندم لما يترتب عليه من سلبيات.
وكانت الأمنية الرابعة حسب ما جاء في الكتاب: ليتني بقيت على تواصل مع أصدقائي لاسيما القدماء منهم، فنحن قد لا نعرف القيمة الحقيقية للأصدقاء القدامى إلا في الأسابيع الأخيرة من الحياة إذ لم تتح الفرصة لهم لمعرفة أخبارهم حينها، فكثيرٌ منهم انشغلوا بحيواتهم الشخصية ومع مرور السنوات ابتعدت تلك الصداقات الواحدة تلو الأخرى، فندموا عليها.
أما الأمنية الخامسة التي تمناها كثير من هؤلاء، فكانت عدم تركهم الفرصة لأنفسهم ليحيوا حياة سعيدة، إذ رأوا أن السعادة يمكن أن تكون اختيارا شخصيا، ولكن العيش وفق رؤية أعراف المجتمع وعاداته، والخوف من التغيير جعلتهم يتظاهرون بالرضى، في حين كانوا يتوقون لحياة مختلفة تماما؛ لذا شعروا بالندم في أخريات أيامهم، عندما تأكدوا أنهم عاشوا الحياة التي أريدت لهم لا التي أرادوها هم إن على مستوى الدراسة أو العمل أو الأسرة...
أقول: هذا في استراليا إذ فيها يمتلك الناس قدرا من الحرية الشخصية، وتختلف نظرتهم إلى المال والعمل، وحب الشيخة والكراسي، وربما كانوا أقل التزاما بأمور الأسرة لاسيما الأبناء، ويتوقع أن الإنسان أكثر حرية واستقلالية من عالمنا العربي، فكيف لو عبر الإنسان في مجتمعنا العربي عن الأمور التي ندم عليها، وكم منا بذل جهده لامتلاك إرادته ليحيا حياته التي أرادها أو التي سمح له بعيشها كما تمناها، وكم منا يقدر على العيش حياته بصدق بعيداً عن الزيف والركض خلف أمور ربما لن تؤدي إلا إلى الندم وقت لا ينفع كرسي ولا مال ولا بنون.
نعم يضعف البصر كلما تقدم الإنسان بالعمر، لكن بالتأكيد تتضح الرؤية، وتقوى البصيرة، وحينما نرى ضوء قطار العمر بدأ يتجه نحونا، وحين نسمع صوته خافتا أو هادرا نعرف أن السنوات التي كنا نملكها قبل زمن يسير انزلقت من بين أيدينا وقد نندم كثيرا أو قليلا وقت لا ينفع الندم!