عمون - لقمان إسكندر - زوايا المشهد الوطني متعبة. الناس على وجع. والجبائية الرسمية لا تكف عن توحشها. المعادلة ذات حساسية بالغة. فما الحل؟
الكارثة أن فحوصات الملقي لما يجري في البلد لم تخرج بأي نتيجة. الرجل يريد أن يواصل غوصه في جيب المواطن. فكيف تخرج نتائج مرضية والحكومة مشغولة بدخول موسوعة غينتس كأغرب حكومات العالم تهورا.
ما يدعو الى الريبة هذا المشهد:
بعد يوم من حرق أسعار رغيف الخبز انفجر على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيل مصور لشاب يحرق نفسه.
حينها، أجهدت وحدة الجرائم الالكترونية في مديرية الأمن العام نفسها، وهي تقسم لوسائل الاعلام ان التسجيل قديم.
بالتزامن، تخرج السلط رافضة جبائية الحكومة. وتخرج معها الكرك. الأجواء ساخنة. والناس بين غضب وقلق. غضب على الحكومة، وقلق على البلد. في الأثناء يجري استدعاء تسجيل مصور لم يُبق من خط أحمر إلا وخرقه. التسجيل قديم.
صديقي المغترب في سلطنة عُمان الذي أصابه الرعب مما سمعه من شعارات في تسجيل سابق خارج السقوف والحدود، أرسله لي يسألني: هل هذا في الأردن اليوم؟
بحكم متابعتي اليومية علمت أن في توزيع التسجيل اليوم ما يُريب.
هل توقف الأمر عند هذا الحد؟ أبدا. هناك المزيد. ومن بين المزيد أن لصوص المملكة تذكروا فجأة أنهم لصوص وأن عليهم أن يمارسوا هواية السطو.
دفعة واحدة خرجوا إلى الأسواق.. البنوك ومراكز البريد والمحلات التجارية.
في الأثناء يضع الناس أكفهم على صدورهم. غدا مباراة الوحدات والفيصلي. لكن بعد تعادل الفريقين يتنفس الشارع الصعداء. كان هذا مرضيا للطرفين. لكن هل مرّ الأمر هكذا؟
مرة أخرى تنفجر في وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة للجمهورين معا.
أرسل لي احد الأصدقاء التسجيلات، وسألني فيما إذا كنت أملك سمّاعة هاتف. قلت نعم. قال استخدمها وأنت تسمع.
سمعت التسجيلات. هززت رأسي. كان الصديق محقا. الهتافات تدعو إلى الخجل.
كل هذا ربما يمر فالجمهور معظمه من المراهقين الذين تحكمه سلوك القطيع. من السهل اصطياده.
لكن، مجددا، ليس هذا ما دعاني للريبة. وسط هذه المناخات تنشر جهة ما تسجيلا رياضيا بهتافات سياسية، عبّر الاردنيون عن رفضها في حينها.
لم أكن مضطرا للرجوع إلى صديقي لأسأله فيما اذا كان التسجيل قديما أم لا.. فالهتافات السياسية لشخصيات اسرائيلية فطست منذ سنوات. علمت ان التسجيل قديم.
لكن راودني السؤال مجددا. من يصر على استدعاء مناخات قديمة جاءت في سياقات متوترة، ورُفضت من الناس حينها.
هل هذا كل شيء؟ مجددا لا.
أمس خرجت إحدى الصحف العربية الصفراء التي سبق ولفّقت خبر وجود حشود عسكرية سعودية على الحدود مع الاردن، لتقول اليوم: إيران تهرب الاسلحة الى المخيمات الفلسطينية.
لاحظوا. أسلحة ومخيمات. يضطر "المصدر الأمني" إلى التعليق على الخبر، بالنفي.
ليست الريبة في فعل الانتحار القديم ولا المظاهرة القديمة، التي حملت حينها ظروفها الخاصة. ولا في الهتافات السياسية المفتعلة والقديمة لجمهور الفيصلي الذي أثبت عشقه للقدس والمقدسيين، ولا في الصحيفة الصفراء، بل ولا في استعادة اللصوص، فجأة ودفعة واحدة، لذاكرتهم الخارجة عن القانون.
الريبة هي في الجهة التي تصرّ على نثر التراب على وجوه الأردنيين، لتعمي بصيرتهم. فتبدأ الفوضى.