الشعارات والخطابات في المسيرات والتجمعات الاحتجاجية نهاية الأسبوع خرقت السقوف وكأنها تعوض عن تواضع أعداد المشاركين لتقوية الرسالة وضمان وصولها لمن يهمه الأمر واضحة ومعبرة عن حجم السخط في الشارع.
لا أجزم كيف تم أو سيتم استقبال الرسالة وهل ستكون هناك مراجعة جوهرية لكن التراجع عن رفع الاسعار ليس بالقرار المتوقع أو الممكن حتى لو اتسعت الاحتجاجات وقد يصبح المخرج البديل التضحية بالحكومة وهو أمر لا يغير شيئا الا اذا كان يعني ايضا برنامجا جديدا ومقاربة مختلفة لمعالجة الأزمة وسوف يتضح ذلك في طبيعة الفريق الجديد.
سأقول بوضوح أن البديل هو حكومة متمردة على سلطة رأسمال والطبقات الأكثر ثراء في المجتمع. لأن القرار الآن بات طبقيا ويتعلق بتوزيع العبء على الفئات الاجتماعية. والحركة الاحتجاجية اليوم لا تتحدث عن الاصلاح السياسي بل عن الجور الذي يلحق بعامة الشعب.
لدينا أزمة اقتصادية نجمت في آن معا عن ظروف موضوعية وسياسات قاصرة ثم تخلي الأشقاء عنا. والآن يجب ان يدفع المجتمع الثمن لكن من في المجتمع؟ الحكومة تعوّم المسؤولية قدر ما تستطيع على المجتمع بشكل عام وهذا معنى رفع الاسعار والضرائب والرسوم وهذا يناسب أصحاب الدخول العالية لأنهم يدفعون ثمنا اكثر تواضعا بكثير مما لو تم تطبيق مبدأ التناسب وهو الأكثر عدلا أي كل واحد يدفع بنسبة دخله.. وسيكون أكثر إرعابا لو قيل بنسبة ثروته !!
الحكومة الحالية تحوي من دون شك عددا من الوزراء على سوية مهنية عالية وأيضا بخلفية سياسية تقدمية أو شعبية ويمكن ان ينخرطوا في برنامج بديل لكنهم ليسوا اصحاب قرار بشأن السياسة الاقتصادية الكلية ولا السياسة المالية ويتلقونها كأمر واقع وهي سياسة تحابي الشرائح الثرية حتى لو كانت البيروقراطية الحكومية على جانب آخر تغضب رجال الأعمال وتتجبر بهم.
الناس ترى بوضوح اتساع الفجوة الطبقية والفرق الأسطوري في الدخول ثم يطلب من الكادحين دفع فاتورة الأزمة، وفي كل مناسبة نطرح فيها أمام الماليين وجهة النظر بضرورة تدفيع الأكثر ثراء حصة أعلى فإنهم يتحفظون، ويجفلون اذا ذهبنا ابعد قليلا باقتراح الضرائب على الارباح الرأسمالية وأسوأ اذا اقترحنا الضريبة على الثروة ؟! هذه هي ثقافتهم وأيضا مصالحهم ! فنقول لهم طيب لا نريد ان تذهب هذه الأموال للموازنة بل لصندوق خاص بإدارة مشتركة أهلية وحكومية ينفق على المشاريع وعلى التنمية الاجتماعية والعمل لتعويض الانكماش وتحريك الاقتصاد وتحفيز النمو فيتململون ويطرحون صيغ معومة غير ملزمة بالاقتطاع من الدخول العالية.
لو حصلت الحكومة من الدخول العالية وأصحاب الثروات ما يتوجب عليهم وبنفس النسب التي يتم تحصيلها في الدول الرأسمالية المتقدمة لحصلت الخزينة مبلغا يناهز أربعة اضعاف ما تحصله من رفع ضريبة المبيعات على عامة الشعب وهذا ليس كلاما مجانيا بل يمكن اثباته بالنسب والأرقام وقد أشرنا لبعضها في مقالات سابقة، لكن يجري ابتزازنا بالتخويف من نتائج سياسة كهذه مع انها الطريقة الوحيدة التي تدفع بالرأسمال الوطني للمشاركة بدل ردّة الفعل التلقائية وهي الاختباء حتى مرور العاصفة والتي تعني المساهمة في ادامة الركود وزيادة الجوع والفقر.