عبّر خطباء المساجد في الجمعة الفائتة وفي كل مساجدنا كلها وبخطبة تحت عنوان موحّد " لو كان الفقر رجلاً لقتلته" وكلٌ أدلى بدلوه في هذه القضية وحسب اجتهاده وبما يمليه عليه ضميره تجاه الفقر والفقراء وسياسة التفقير المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة، سياسة افقار الفقير وإغناء الغني....
أقول: ان كل دعوة تحبب الفقر إلى الناس، أو ترضيهم بالدون من المعيشة أو تقنعهم بالهون في الحياة٬ أو تصبرهم على قبول البخس٬ والرضا بالدنية، فهي دعوة فاجرة٬ يراد بها التمكين للظلم الاجتماعي، وإرهاق المواطن الكادح. وهي قبل ذلك كله كذب على الإسلام ٬ وافتراء على الله.
لا توجد قضية تتجسد فيها أشكال القبح الإنساني وتمس بكرامة الناس كقضية الفقر. الفقر في الوطن مولّد للخوف والاحباط، مولّد للبؤس والاضطهاد والضيم.
أسوأ ما في الفقر، انعدام ثقة الفقير بالمجتمع وفقدان احترامه لمبادئ التعايش، مما ينتج عنه التعدي على ممتلكات الغير سرقة، نهباً او غصباً. كما رأينا وسمعنا مؤخرا من اعتداءات على الممتلكات العامة.
أسوأ ما في الفقر، فقدان الرغبة في الحياة، وما ينتج عنه من البحث عن المهالك والانخراط في أعمال الإجرام والارتزاق في الحروب والصراعات لأجل كسب المال القذر، ومحصلة كل ذلك من الإخلال بحياة الفقير نفسه مع مجتمعه الظالم له.
أسوأ ما في الفقر، الأبواب التي تُغلق (في وجوه) الفقراء، في نفس الوقت التي تُغلق (على) الأغنياء لقضاء حوائجهم في هدوء وسلاسة برغم تساوي القدرات إن لم يكن تفوق الفقراء عليهم.
أسوأ ما في الفقر، ما يترتب عليه من قتل لقيم الاجتهاد والعصامية والنزاهة للوصول الى الطموح والآمال، مقابل تغوّل قيم المحسوبيات والوساطات والمجاملات التي تُفتَح في وجوه أبناء الذوات حتى ولو كانوا بلا خيال ولا عقل ولا مواهب.
أسوأ ما في الفقر، هو منع الفقراء -في حال قدرتهم على التعليم والتأهيل - من الوصول الى مناصب أو مراتب قيادية، بحجة قلّة خبرتهم في إدارة شؤون الناس، وكيف تكون لديهم خبرة وغيرهم من أبناء الفاسدين مِن الأغنياء يتدربون منذ الصغر على قيادة الشعوب كقطعان تمّ توريثها من الوالد للولد،
أسوأ ما في الفقر المبالغة في تطبيق القوانين والشروط إذا كان المعنيّ هو الفقير، وتجاهلها تماماً إذا كان الغني هو المعني بالأمر.
أسوأ ما في الفقر، الأمراض التي تفتك بهم، بسبب وضعهم المادي ومستوى المعيشة، وبسبب عدم قدرتهم على تحمل العلاج، فترى مريضهم يموت بأمراض أصبح وجودها وتسببها في الوفاة جزءاً من تاريخ الطب البعيد، فهم ينتظرون الموت لعدم قدرتهم على تحمل نفقات العلاج، ليكون موتهم وصمة عار في جبين الطب والسياسة والمجتمع.
وأخيراً وليس آخراً، أسوأ ما في الفقر، طعم المرارة الذي يظل عالقا في فم الفقير حتى لو أصبح غنياً فيما بعد.