عصر الفاكس ثم عصر الإنترنت، وما تبعه من ياهو وجيميل وفيسبوك وتويتر وأشباهها ، الغى- تقريبا - مرحلة طويلة جدا من مراحل حياتنا وحياة أبائنا وأجدادنا، حيث وجدنا انفسنا امام معطيات جديدة (جبّت) ما قبلها..اتحدث هنا- تحديدا- حول قصة الرسائل (لا تردين الرسايل ...ويش اسوي بالورق)، مع تحيات محمد عبده.
تقريبا، لم يكن مغلف رسالة يخلو من عبارة مكتوبة بخط كبير وبارز تقول:( شكرا لساعي البريد) ، والمقصود طبعا الرجل الذي كان يوصل الرسائل الى البيوت او – فيما بعد- الى صناديق البريد، وكان دوره مهما ومؤثرا ، خصوصا انه كان يستطيع فتح الرسالة او تأخيرها ..بمعني ان التزلف له بهذه العبارة كان يعطي كاتب الرسالة احساسا بأنه يساهم في ايصال رسالته بأمان الى المرسل اليه.
ثم تحولت الأمور تدريجيا من الثمانينيات الى درجة اكثر آلية، وتناقص الدور البشري الفردي في الموضوع، تناقصت اعداد هذه العبارة على الرسائل ..حتى اختفت بشكل شبه كامل حاليا.... مع الاشارة الى ان الرسائل البريدية المغلفة في طريقها الى الانقراض الكامل.
نرجع لموضوعنا، فقد كانت عبارة (شكرا ساعي البريد) من اشهر عبارات وطرائق واساليب وانواع التزلف التي مارسناها جميعا بكل حضور ودستور. وكنا نرى ساعي البريد في الشارع او على (الموتورسيكل) ولم نكن نكلف انفسنا عناء السلام عليه او رد السلام، كانت العبارة تقصد (تحنين) قلب ساعي البريد علينا للحظة محددة، ثم يفقد بعدها دوره ويتحول الى مواطن هزيل غير مهم على الإطلاق.
كان الساعي يحصل على اكبر عدد من التشكرات يوميا مكتوبة بخط بارز وكبير وأنيق نسبيا ، فينتشي ويشعر بالأهمية التي يفقدها فور انتهاء عمله وعودته الى البيت او الشارع .
لابد اني قد ارسلت في يوم ما رسائل ممهورة بتلك العبارة، وهنا انوي التزلف الى عدد كبير من الناس، لكنه تزلف دائم لا ينتهي بانتهاء الدور. وابدؤها بمجموعة من التشكرات .
= شكرا لقراء الدستور الإلكتروني وزوار موقع زاويتي.
= شكرا لأولئك الذين ظلموني؛ لأنهم علموني ان لا اظلم الناس وأتمسك بالعدالة.
= شكرا للمنافقين الذي علموني قيمة الصراحة والصدق.
= شكرا للفاكس والإنترنت الذي ابعدني عن التزلف بعبارة (شكرا لساعي البريد).
= شكرا لكل من تحمّل وعثاء قراءة مقالتي هذه مع كل ما فيها من مطمطة حكي وزناخة وتزلف.
الدستور