ظاهر الأزمة الكبيرة التي يعيشها الأردن اقتصادي ولكن جوهرها سياسي... فرفع الأسعار بصورة جنونية وفي بعض الحالات بصورة مبالغ فيها من اجل زيادة إيرادات الخزينة امر يُشرع « النقد» و يفسر» الغضب « ولكن في الوقت نفسه على الجمهور أن يتفهم أن جوهر الأزمة الخانقة للأردن سياسي و سياسي بامتياز.
إن حقيقة الأزمة تتمثل في تلك الأجندة التي يٌراد فرضها على الأردن من قبل ادارة ترمب واسرائيل والتى تريد «تركيعه» من اجل القبول بما يلي:
اولا: نزع الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية والتي قاربت على قرن من الزمان ، وهو مشروع تشجعه اطراف عربية واسلامية ايضا ، والاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة موحدة وابدية لاسرائيل بداية لهذا المشروع الخطير والذي مازال جلالة الملك يقاومه بكل ما أوتي من قوة من خلال توظيف علاقاته المتميزة مع اوروبا والصين وروسيا لمجابهة الغطرسة الاميركية.
ثانيا: الواقع الطبوغرافي والديمغرافي للضفة الغربية والذي تتكتم عليه اسرائيل وايضا السلطة الفلسطينية انهي تماما « حل الدولتين» هذا الواقع يشير الى ان عدد المستوطنين في نهاية عام 2017 وصل الى 800 الف مستوطن فيما اصبحت المستوطنات تشكل 64 %من مساحة الضفة الغربية ، وبشكل اوضح فان 68 % من اراضي المنطقة « ج « في الضفة تحت سيطرة المستوطنين وهذه المنطقة تضم 87%من موارد الضفة الغربية الطبيعية و90 % من غاباتها و49% من طرقها ويسمح للفلسطينيين باستخدام واحد بالمائة من اراضيها باعتبارها اراضي عسكرية ، هذا عدا عن ان المستوطنات الكبرى في حدود القدس والضفة انهت اي وحدة جغرافية بين اراضي الضفة الغربية التى باتت كما يصفها بعض المعلقين « كالجبنة السويسرية « مليئة بالثقوب.
واقع الضفة الغربية الجغرافي والديمغرافي ينهي حل الدولتين ويفتح الباب على مصراعيه لحل « ما « مع الاردن ، وهو امر سينتج عنه وتحت عنوان الوحدة « فيدرالية كانت أو كونفدرالية « تهجير ملايين من فلسطينيي الضفة الغربية الى الاردن الذي سيتكرس وطنا بديلا لهم عن فلسطين وسيسمح لاسرائيل بتفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين والبالغ عددهم ووفقا لمعهد القدس لدراسة السياسات الإسرائيلي 324 ألف فلسطيني 37% وهو امر رفضه جلالة الملك في الماضي ويرفض الان بدرجة اكثر صلابة وقوة.
ثالثا: الاجهاز الاميركي على «الاونروا» والضغط عليها ماليا لانهاء دورها كمقدمة واضحة لشطب قضية اللاجئين من التداول السياسي في اي مفاوضات قادمة ، وهي مقدمة لتوطين اللاجئين في اماكن تواجدهم في المخيمات ، وهو ما يعني ان على الاردن القبول «بتوطين» قرابة الثلاثة ملايين فلسطيني « يعيشون في عشرة مخيمات وهو رقم مهول «سينسف» البناء السياسي والاقتصادي والامني للدولة الاردنية والذي استقر على هذا النحو من اواخر ستينيات القرن الماضي.
باختصار فان المطلوب من الاردن ان يستسلم لكل ما سبق وان لم يوافق فيجب معاقبته ليركع ، اما العقاب فهو حرمانه التام من المساعدات الخارجية سواء الاميركية او العربية التي تاخذ الاذن المسبق من واشنطن كالذي يحصل منذ اكثر من عامين.
مر الاردن بمحطات عصيبة وحرجة منذ بدايات نشأته وتعرض لكثير من المؤامرات لكنه صمد بسبب عاملين اثنين رغم « بقاء الظروف الاقتصادية الصعبة « والعاملان هما :
اولا: الالتفاف حول العرش بكل الصور التي تُغلق كل الطرق على خلق اي حالة تناقض بين الشارع وبينه ، وهذه مهمة الوطنيين من مختلف الشرائح والخلفيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
ثانيا: التمسك بالوحدة الوطنية ، وهنا اقصد وحدة «الهم»، والموقف الوطني الاستراتيجي ، وليست وحدة الطرب حول اغنية وطنية هنا ، وقصيدة وطنية هناك ، وحدة وطنية تتعزز في المنعطفات في مثل هذا الظرف الذي يمر فيه الاردن.
نعم هناك سياسات حكومية لا يفهمها الناس تزيد من معاناتهم الحياتية تحتاج الى تفسير و توضيح غير ان تقاعس الحكومة او فشلها في توضيح تلك القرارات لا يجب ان يحول «الغضب» على الحكومة الى غضب على الوطن.
Rajatalab5@gmail.com
الرأي