كتب الزميل الصحفي موسى برهومة مقالا بعنوان "في سهولة أن تكون معارضا" قبل أيام يتناول الموالاة والمعارضة في الأردن ومركزا على ما أسماه سهولة أن تكون معارضا وتوجه النقد المتواصل لسلبيات الحكومة وهناتها وإجراءاتها ،كما يتناول فشل المعارضة في تشكيل حكومات الظل كما هو الحال في الديمقراطيات العريقة وبعض الديمقراطيات الناشئة. استوقفني المقال كثيرا وخصوصا في الجانب المتعلق بتوصيف المعارضة على أنها سهلة وأن إلقاء اللوم على الحكومة وانتقاد قراراتها لا يحتاج إلى كبير عناء ،وأن كثيرا من المعارضين كانوا جزءا من مؤسسات النظام ثم انتقلوا للمعارضة حيث يمكنهم العودة لأحضان النظام حال تم إرضائهم واستيعابهم (Political Cooptation) .
الحقيقة أن الأمر ربما يكون عكس ما ذهب إليه الكاتب برهومة فالمعارضة في الأردن قضية في غاية الصعوبة وهي ليس كما وصفها بأنها مجرد توجيه انتقادات واستغلال لعواطف العامة جراء ارتفاع الأسعار أو أمور اقتصادية واجتماعية وسياسية محددة . في هذا السياق أرجو أن أبرز النقاط التالية:
1- أن أبرز أسباب ضعف المعارضة في الأردن وعدم إمكانية تشكيل حكومات للظل كما هو الحال في الدول الديمقراطية يعود للحكومة نفسها Kحيث لا تحظى المعارضة بالقبول والاحترام والتشجيع من قبل مؤسسات النظام السياسي مع أن الأصل أن تكون المعارضة بأحزابها المختلفة أحد مؤسسات النظام السياسي.في بريطانيا على سبيل المثال لا الحصر يقال عن الحكومة حكومة الملكة وعن المعارضة معارضة الملكة ومن يزور بريطانيا يقابل ممثلين الحكومة وترتب الحكومة نفسها مقابلات له مع المعارضة.الحكومات المتتالية في الأردن تصرح باحترامها للمعارضة في حين تقاومها وتقمعها وتذيقها الأمرين في أرض الواقع .الحكومة تظهر المعارضة وكأنها خيانة للوطن وأن المنظمات والأحزاب السياسية خطر يهدد وحدة المجتمع ويمزق النسيج الوطني. قوانين الأحزاب الأردنية والاجتماعات العامة واحترام حرية التعبير كلها من الناحية الفعلية لا تشجع المعارضة على الوقوف في وجه السياسات الحكومة كما أن استقواء المسئولين والحكام الإداريين على هذه القوانين الضعيفة أصلا يقلل من قوة المعارضة وفرصها في التأثير على سياسات الحكومة وقراراتها.
2- لا يشكل المعارضين ممن شغلوا مواقع في مؤسسات النظام السياسي نسبة كبيرة من المعارضة الأردنية.وهنا أعتقد بأن مراجعة موضوعية لشخوص وخلفيات المعارضين يمكن أن تدلنا على أن غالبية هؤلاء لم يشغلوا مواقع قيادية في مؤسسات الدولة، على الرغم من أنني لا أرى ضيرا في ذلك ،فمن اطلع على خفايا المؤسسات وسياساتها وفسادها يمكن أن يتحول للمعارضة البناءة المستندة للخبرة والدراية وإلا كيف يمكن أن يدلي المعارضون بدلوهم في شتى الموضوعات والمجالات إذا لم يكونوا على إطلاع بخفايا الأمور!!
3- في الوقت الذي نعترف فيه بعدم قدرة المعارضة على تنظيم نفسها وذلك لأسباب لها علاقة بالتنشئة الاجتماعية، وقلة التقاليد والتراكم الخبراتي ، وتدخل مؤسسات الدولة الأمنية وغير الأمنية في المعارضة واختراقها لمنظومتها، فإن عدم تطبيق مبدأ الشفافية والقدرة على الوصول للمعلومة عما يدور داخل ماكينة الحكومة وأجهزتها المختلفة نتيجة للسرية الشديدة أفقد المعارضة القدرة على الوصول لقواعد البيانات والمعلومات التي تمكنها من تقديم بدائل لسياسات الحكومة الضعيفة.وعليه فلا غرابة أن تركز المعارضة على النقد وإبراز السلبيات أكثر من توفير برامج وحلول مقنعة ومتماسكة للمشكلات والتحديات التي تواجه السياسات الرسمية الحالية.
استنادا لم سبق نعتقد بأن الحكومة بمؤسسات المختلفة لا ترحب بالمعارضة لا بل تقاومها وتضيق عليها لكون الحكومة والقائمين على مؤسسات الدولة تأخذ حريتها في فعل ما تراه قياداتها مناسبا وهنا نتساءل كيف يسعى من بيده الأمر والسلطة ،الآمر الناهي، للترحيب بالمعارضة التي بحكم تكوينها تسعى للوقوف على مواطن الخلل وإبرازها وتوعية الناس بها وكسب ودهم ودعمهم لمقاومتها؟الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: Montesquieu) 1689- 1755)، صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده غالبية الأنظمة حاليا) قال قبل ثلاثة قرون أن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة.على هذا الأساس فإن توزيع السلطات قضية أساسية في أي ديمقراطية ودون تحقق ذلك فإننا نتحدث عن ديمقراطيات شكلية لا حياة فيها . المعارضة في الأردن ضعيفة ولكن أبرز أسباب ضعفها هو إضعاف الدول لها وعدم الاعتراف بها وتشويه سمعتها من قبل الدولة وإعلامها الرسمي وغير الرسمي.