(العنف الاجتماعي في الأردن: أسباب وحلول )
د. عمر مقدادي
11-02-2018 01:22 PM
تعدّ ظاهرة العنف الاجتماعي من الظواهر القديمة في المجتمعات والدول، وقد ظهر العنف منذ وجود آدم عليه السلام، وابنيه هابيل وقابيل على الأرض؛ حيث قتل قابيلُ أخاه هابيل حسدًا وظلمًا.
والعنف المجتمعي ظاهرة سلوكية إيذائية تقوم على إنكار الآخر، وتلعب العوامل النفسية دوراً كبيراً فيها، ويتم من خلالها استعمال العنف اللفظي أو الجسدي والاعتداء على الآخرين والتطاول على القانون من أجل تحقيق مصالح شخصية غير مشروعة، وأخذت ظاهرة العنف المجتمعي بازدياد في السنوات الأخيرة في مجتمعنا، وأصبحت تؤرق الجميع وتهدد السلم الاجتماعي الذي يعدّ الاساس في حالة الاستقرار لجميع مكونات المجتمع ابتداءً من الأسرة وانتهاءً بالمجتمع والدولة، وأن منطق الفزعة لا يكفي لمواجهة هذه الظاهرة التي في حال استفحالها تسهم في انهيار مؤسسات الدولة ينعكس سلبًا على جميع مقوماتها سواءً الاقتصادية أو الاجتماعية، بالإضافة إلى التمرد على القانون وغيرها من النتائج الخطيرة التي تعكس الضعف الاجتماعي وتراجع هيبة الدولة، ما يتطلب منا جميعًا تسليط الضوء على هذه الظاهرة ودراستها من حيث الأسباب والدوافع والدلالات والانتشار والتكرار والنتائج والآثار والحلول الناجعة لمعالجتها في جوانبها كافة.
إن المراقب لهذه الظاهرة في المجتمع الأردني يلاحظ وجودها في أشكال متعددة منه ما يتعلق بالمال الذي له الدور الأساسي بالنسبة للشباب وتعاطي المخدرات والسطو المسلح والسلب والميول السلبية لدى الشباب في المجتمع التي تجعلهم يمارسون العنف في المنازل ومع الأخرين ، كما لوحظ انتشار الجريمة داخل الأسرة الواحدة وشاهدنا بعض الجرائم البشعة التي تقشعر لها الأبدان ، كما ينتشر بعضها على شكل فزعات انتقاميّة أو ثأرية من قبل أفراد أو مجموعات للحصول على مكاسب فردية أو جماعية، أو يمكن عدّها فزعة اجتماعية مرتبطة بروابط الدم أو العشائرية أو الفئوية، ولكن هذه الظاهرة تعدّ غريبة عن مجتمعنا الأردني وثقافتنا التي تستند إلى الدين الإسلامي الوسطي وتقبل الآخر والقيم السمحة، بعيدًا عن التعصب والعنف، ولكن ثمة مجموعة من الأسباب تقف خلف هذا السلوك بحيث يكون أحدها أو اكثر هو المسبب لحدوثها والمؤشر على تكرارها في المجتمع:
1 - ضعف الوازع الديني.
2- ضعف التربية المدنية.
3- ضعف منظومة القيم لدى بعض الأفراد مثل: قيم الحوار وتقبل الآخر والمسؤولية.
4- ضعف التشريعات وتطبيقها الحازم والعادل.
5- ضعف المواطنة وتغليب المصالح الضيقة على مصالح الوطن العليا.
6- النزعة لدى البعض في العبثيّة والاستهتار وحب الفوضى.
7- التعصب وغياب لغة العقل والحكمة والتفكير المستقل.
8- عدم تقبل المجتمع للتحوّلات والتغيرات الاجتماعية التي تفرضها طبيعة الحياة العصرية.
9- ضعف الانتماء واحترام دولة القانون.
10- ضعف فاعلية مؤسسات وعناصر الضبط الاجتماعي.
11- تزايد ظاهرة البطالة وأعداد العاطلين عن العمل من الشباب، وضعف الأطر الاقتصادية لاستيعابهم في سوق العمل.
12- انتشار بعض مظاهر الفساد، مثل: الواسطة والمحسوبية وغياب العدالة وتكافؤ الفرص.
13- الخلل في مستوى معيشة الأفراد والأسر في المجتمع، حيث ارتفاع الأسعار والضرائب.
14- ضعف الوعي وخلط في المفاهيم الأساسية لدى الشباب، مثل: الكرامة والبطولة والديمقراطية والحقوق المدنية وغيرها، مما يؤثر سلبًا في فكر الشباب الأردني وسلوكهم.
15- وجود الأردن في منطقة غير مستقرة سياسيًا، وتعاظم الهزائم القومية واستمرار جمود عملية السلام ومعاناة الشعب الفلسطيني.
16- كثرة مشاهد العنف والقتل والدمار التي يشاهدها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
17- كون المجتمع الأردني مجتمعًا قبليًا يعتمد على العشائرية، ولم يتقبل بعد كافة قواعد المجتمع المدني والاحتكام للقانون.
18- مشاعر الإحباط لدى الشباب وضعف المشاركة السياسية.
كل ذلك يؤثر في زيادة العنف المجتمعي، ويمكن القول إن أسباب العنف المجتمعي في الأردن تتمحور في أسباب سياسية واقتصادية وثقافية، واجتماعية، وتشريعية.
إن أبرز ما كشفته حوادث العنف المجتمعي ومنها العنف الطلابي في المدارس والجامعات والملاعب الرياضية والاعتداء على المعلمين والأطباء وموظفي الحكومة في الأردن مؤخرًا هو ضرورة تأهيل أفراد المجتمع للانتقال إلى المجتمع المدني والاحتكام إلى سلطة القانون، فالدولة الأردنية هي دولة قانون ومؤسسات، مع أهمية تنظيم العادات العشائرية الحميدة التي "تحقن دماء الأبرياء وتوقف موجات الثأر والجلوة العشائرية وتنظمها وفق منطق عصري، مع أهمية احترام هيبة العشيرة كيانًا مؤسسيًّا واجتماعيًا يدعم احترام الآخر ويحافظ على الحقوق الشخصية والمدنية، ويحترم العادات والتقاليد الاجتماعية التي تنبذ الفوضى أو العبث بالممتلكات العامة والخاصة، وينبذ الواسطة كوسيلة اجتماعية أو استخدام العشائرية وسيلة لتبرئة المخطئين أو العابثين بأمننا الاجتماعي أو المجرمين أحيانًا، مع ضرورة إيقاع القصاص العادل والسريع على كل من يستحق بحزم، لتحقيق العدل وحماية المجتمع من المجرمين والمخالفين للقانون ومفتعلي الفوضى الاجتماعية ومثيري النعرات الشخصية والفئوية والجهوية والقبلية.
وفي ضوء ما تم عرضه من بعض أسباب العنف المجتمعي في الأردن، فإننا نعتقد بأهمية معالجة العنف الاجتماعي بشكل شمولي وفق المحاور الآتية:
أولاً – : المحور السياسي:
إن الاصلاح السياسي هو مهمة الدولة الأردنية، وهذا يتطلب التنمية السياسية وتفعيل دور الشباب فيها مع ضرورة تعزيز الحريات، وتعديل التشريعات ومنها قانون الانتخاب الذي من الممكن أن يكون له دور مهم في تخفيف من هذه الاحتقانات الاجتماعية، بحيث يؤدي تطوير قانون الانتخاب إلى :المساهمة في تطوير ديمقراطية فاعلة على أساس التعددية السياسية التي عمادها الأحزاب السياسية، وتكوين برلمان مكون من أحزاب سياسية وكتل برامجية ذات توجهات واضحة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتشكيل حكومات برلمانية عن طريق أغلبية حزبية في البرلمان، ومعارضة برلمانية تقوم بدور بالمحاسبة والمراقبة لهذه الحكومة.
ثانيًا– المحور الثقافي:
ضرورة الاهتمام ببرامج التعليم والتعليم العالي والبرامج الإعلامية و والتوعية والإرشاد لشرائح المجتمع كافة، بحيث تتضمن تعزيز التربية القانونية والتربية الوطنية وتعلم مهارات الحياة والعلاقات والاتصال ومهارات الحياة العصرية وغيرها من المفاهيم والمهارات، مثل: الحوار وفض النزاعات وحل المشكلات، واحترام الآخر، واحترام الاختلاف، وتفعيل دور التربية الوطنية والمدنية والتنشئة الاجتماعية في مناهجنا التربوية والأكاديمية في المدارس والجامعات الأردنية من أجل احترام الدستور والقانون، وتعزيز الثقة لدى الشباب بمؤسسات الوطن الأمنية والقضائية، وتحفيز الشباب للمشاركة في الفعاليات والنشاطات والأعمال التطوعية، وتقديم الدعم لكل المبادرات المتعلقة بالعنف المجتمعي، وضرورة الاهتمام بدور الأعلام في التوعية والإرشاد وعدم نشر الخبر المتعلق بالعنف والتهويل وذلك للنتائج السلبية المترتبة عليه.
ثالثًا – المحور الاقتصادي:
إعادة النظر في مجمل النشاط الاقتصادي والمشاريع التنموية وبرامج التمويل ونظام التشغيل وبرامج تشجيع الاستثمار وتنظيم سوق العمل والأجور، لتحسين الإنتاج ودفع عجلة الاقتصاد في المجالات كافة وخلق فرص عمل حقيقية للشباب ومعالجة جيوب الفقر في المناطق المهمشة من الأرياف والبوادي والمخيمات، والحد من البطالة في صفوف الشباب الأردني وتسهيل انخراطهم في بناء الوطن ومؤسساته الاقتصادية والاجتماعية.
رابعًا – المحور الاجتماعي :
تخطيط وإنجاز إطار تشاركي تسهم فيه الحكومة وجميع الأطراف ذات العلاقة، لبناء خطة استراتيجية وطنية واضحة المعالم لمراجعة نظامنا الاجتماعي والعقد الاجتماعي الأردني وفق رؤية عصرية مدنية للوقوف ودعم المناسب فيه وكشف مواطن الضعف ومعالجته، وضمان تنفيذ مراحل وإجراءات هذه الخطة بتنسيق وتكامل .
خامسًا: المحور التشريعي:
تطوير التشريعات المتعلقة بالعقوبات بما يضمن العدالة والتسريع في إيقاع العقوبة على الجاني أو الجناة في قضايا العنف المجتمعي، وخاصة في القضايا ذات الطابع العشائري، من مثل: جرائم القتل العمد وقضايا الشرف، بكل عدالة وبلا استثناء لشخص أو فئة، وإظهار العقوبة في وسائل الإعلام لتكون درسًا للغير وتأكيدًا على سيادة القانون وهيبة الدولة.
وفي الختام لا بد من التأكيد على أهمية المحافظة على الدولة الأردنية المستقرة وعنصر الأمن فيها، الذي نفاخر به وبكل منجزاتنا الوطنية ومؤسساتنا وتشريعاتنا التي رعاها الهاشميون ولا ندع الفرصة لعابث ليولّد بؤراً للفتنة أو يمسّ أمننا الوطني.
حمى الله الأردن وشعبه الوفي .