يتأكد لنا مع الوقت افتقار الحكومات الأردنية المتعاقبة الى عناصر وفرق اقتصادية كفؤة ومؤهلة يعول عليها في التعاطي مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها بلدنا ، ما أدى الى تراكم المديونية ووصولها الى ارقام كبيرة ، شكلت ما نسبته أكثر من 95% من الناتج المحلي ( ارتفعت من 62% الى 95% اخر سبع سنوات بمعدل زيادة 4,8% سنويا ) . بصورة جعلتها تلجأ الى جيوب المواطنين لتعويض عجزها وتقصيرها في مواجهة هذه التحدي .
وبدا ان الحكومات عاجزة عن إقامة مشاريع تنموية حيوية ، بدلا من انفاق إيرادات الدولة على البنى التحتية والمشاريع المتعثرة .
ولما كان من ابرز ملامح موازنة 2018 ، ارتفاع نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية من 92,5 عام 2017 الى اكثر من 98% العام الحالي ، والتي سوف تتحقق من خلال زيادة الضرائب ورفع الدعم عن الخبز وارتفاع أسعار العديد من السلع وتقليص او الغاء الإعفاءات الضريبية على المواد الاستهلاكية ، فان هذا سوف يؤدي الى ارتفاع مستوى المعيشة والاسعار ومعدلات التضخم وتراجع وتباطؤ نسب النمو الاقتصادي بصورة متناقضة مع توجهات الدولة في تحسين مستوى معيشة المواطن وحماية الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود وزيادة معدلات النمو الاقتصادي .
ان الحكومات كثيرا ما تشتكي من ضعف التمويل لتنفيذ مشاريع حيوية كبرى ، حتى قبل هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها بلدنا ، الذي كان يتلقى الكثير من المساعدات المالية والاقتصادية من الدول الشقيقة والصديقة ، وذلك قبل تأثره سلبيا بالظروف التي عصفت بالإقليم منذ 2011 .
فقد لاحظنا كيف كشفت المنحة الخليجية ، التي تم انفاقها على البنى التحتية ، زيف حجة التمويل في ظل غياب السياسات والبرامج والخطط التنموية . إضافة الى عجز الحكومات عن ترجمة التوجيهات الملكية السامية التي انطوت على أفكار وحلول لمعالجة المعضلة الاقتصادية من خلال تحويلها وترجمتها الى سياسات وإجراءات على ارض الواقع ، كحال الأوراق النقاشية التي عانت من عدم وجود جدية للتعامل معها ، والتي تعد بمثابة خارطة طريق للتعاطي مع أهم القضايا والملفات الوطنية .
واذا ما توقفنا عند المضامين والعناوين الرئيسة التي انطوت عليها خطبة العرش التي افتتح بها جلالة الملك عبد الله الثاني الدورة العادية الثانية لمجلس النواب ، سنجد انفسنا امام محطة ملكية توجيهية تحث الحكومة على وضع الخطط والاليات الكفيلة بتطبيق وثيقة رؤية الأردن 2025، التي حددت الاطار العام المتكامل للسياسات الاقتصادية والاجتماعية ، وخطة تحفيز النمو الاقتصادي ، التي تهدف الى استعادة زخم النمو الاقتصادي وتحسين بيئة الاعمال والاستثمار وتعزيز الإنتاجية وتنافسية الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي وخلق فرص عمل ومحاربة الفقر والبطالة ، والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ، التي تعنى بتطوير منظومة متكاملة واستراتيجية للتعليم بمختلف مراحله وقطاعاته من اجل تنمية الموارد البشرية ، والاستراتيجية الوطنية للطاقة ، الرامية الى زيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي ورفع نسبتها الى 20% عام 2020 .
كذلك فقد اشتملت خطبة العرش على توجيهات ملكية الى مجلس النواب بضرورة الاهتمام رقابة وتشريعا بالمحاور والاولويات التي وردت في تقرير الحكومة الذي قدمته لجلالة الملك حول اعمالها ، والبيان الوزاري وكتابي التكليف السامي للحكومة . ما يتطلب من المجلس وضع الاليات الكفيلة بتفعيل دوره الرقابي على الحكومة ومدى التزامها بهذه المحاور والاولويات من خلال توزيعها على لجانه المختلفة ، لمتابعة الحكومة ومناقشتها والوقوف على ادائها ، ومحاسبتها على أي تقصير عند تعاطيها مع هذه الأولويات الوطنية .