ظاهرة السطو وأحاديث الناس
أ.د.محمد طالب عبيدات
11-02-2018 01:02 AM
تناقلت المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ومواقع اخبارية أخرى أخبارا ووقائع خمس عشرة حادثة سطو خلال شهر في محافظات المملكة كافة، منها حوادث سطو على البنوك وأخرى على الصيدليات والكازيات والبريد وغيرها، وتباينت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي بين استنكار للحوادث -الدخيلة على مجتمعنا- من قبل معظم الناس الى تبرير البعض لبعض الحالات وفعلتهم المشؤومة ومتّكئين على ظروفهم الصعبة وواقع الحال الاجتماعي الذي يعيشونه ووضعهم المالي، وبالطبع هذه الأفعال الحمقاء لا يمكن تبريرها مهما كانت الظروف الاقتصادية أو حتى الوضع النفسي للأشخاص مرتكبي هذه الجرائم، فعمليات السطو المسلح الفردية على البنوك وغيرها لا تشكّل حالة عامة أو ظاهرة بالرغم من ضرورة دراسة ملابساتها الاجتماعية والاقتصادية للاستفادة منها لغايات كبح جماح أي عمل مستقبلي مماثل، لكننا في ذات الوقت نشدّ على أيدي أجهزتنا الأمنية ومواطننا الأردني الواعي الذين يقفون بالمرصاد لكل من يحاول العبث بأمن هذا الوطن، كما نحتاج لمعالجة حالات الفقر والجوع التي يعيشها بعض الشباب العاطل عن العمل.
أُسجِّل بكل فخر اعتزازي بجهود رجال الأمن العام والأجهزة الأمنية والذين تمكّنوا من القبض على كل الساطين وضبط المسروقات بسرعات قياسية وتحويلهم للقضاء العادل ليعطيهم العقوبات التي يستحقونها، فالحوادث فردية وغريبة بالنسبة للمجتمع الأردني، فهي دخيلة علينا وفيها تشبّه بالأفلام وما يحدث في بعض الدول المجاورة، وبالطبع ذلك لا يعني تبريرها أبداً، فأنّى كانت الظروف المالية أو الاجتماعية أو الاقتصادية للساطي، فذلك لا يبرر له أن يسطو على ممتلكات الغير من منطلقات دينية وأخلاقية ومنظومة قيم وغيرها، وبالرغم من حالة الفقر أو ربما الجوع التي يعيشها البعض، فلا يمكن أن تعطيهم الحق بالسطو على ممتلكات الغير، لكنها وان كانت حالة فردية فهي بحاجة لدراسة اجتماعية وأمنية حتى لا تتكرّر البتة.
أحاديث الناس ابّان لقاءاتهم حول حوادث السطو الفردية والمحدودة التي حدثت في الآونة الأخيرة تباينت في تحليلاتها ومسبباتها وأهدافها، ومهما كانت الدوافع والتحليلات الّا أن القاسم المشترك الأعظم للناس والمحللين أن قلوبهم على وطنهم ويفدونه بالمُهج والأرواح، وتالياً بعض ما يقال بجلسات ولقاءات الأردنيين حول ذلك:
أولا- ربط السطو بالفقر: البعض يربط قضايا السطو الأخيرة بحالات الفقر وجيوبها المنتشرة هنا وهناك، والحقيقة تقول إن بعض منفذي هذه الحالات أوضاعهم المادية ميسورة بيد أن سجلاتهم الجُرمية عالية، وهذا مؤشر قوي أن لا ربط بين الحالة المادية للناس وسلوكياتهم الجرمية!
ثانياً- ربط السطو برفع الضرائب: البعض يربط انطلاقة عمليات السطو وتوقيتها بعد رفع الضرائب مباشرة من قبل الحكومة، وربما يكون ذلك صحيحاً لكنه مؤشر على أن هنالك من يتربّص بهذا الوطن ويوجّه بعض أصحاب السوابق لخلق حالة من الفوضى للعبث بأمننا المجتمعي! ولذلك فالحذر واجب من قبل أجهزتنا الأمنية التي نعتز بها وكذلك نعوِّل على وعي المواطن في ذلك.
ثالثاً- ربط السطو بالفوضى الخلّاقة: هنالك من يربط بين انحدار المستوى الأخلاقي وتراجع منظومة القيم للبعض وحوادث السطو، وربما يكون هذا كنتيجة حتمية لذلك، وهذه اشارة لتعظيم الاحساس والوعي والوازع الديني عند الناس وتطبيقه على الأرض، لأن الدين المعاملة والسلوك، وهذا بالطبع يُعزّز أن حالات السطو فردية ودخيلة ولكن ربما يستخدمها البعض لغايات في نفس يعقوب!
رابعاً- ربط السطو بالبيئة العامة للمنطقة: ربما خَلَقَ الجو العام في اقليم الشرق الأوسط حالة أو بيئة اعلامية ومجتمعية وسياسية أساسها دعوات الفوضى وأن يأخذ المجرمون مكانة فوضوية في المجتمع، وهذا لا يمكن أن يقبله مواطن منتم وواع وقلبه على وطنه! ببساطة لأن في هذا السناريو غلبة للبلطجية والزعران وأصحاب الأتوات.
خامساً- ربط السطو بضغوطات عالمية: البعض يتِّجه الى ما هو أبعد من ذلك فيؤشّر لضغوطات يتعرّض لها الأردن كنتيجة لمواقفه ومواقف القيادة الهاشمية التاريخية مع القضية الفلسطينية والقدس وموقف جلالة الملك الأخير مع القدس، وهذا السناريو يهدف لأن يدفع الأردن ثمناً لمواقفه هذه على سبيل التنبّه للمستقبل وتمرير صفقة القرن من قبل أمريكا واسرائيل والضغط على الأردن وتهديده في أمنه!
سادساً- ربط السطو مع قضايا جُرمية فردية: وأنا شخصياً مع هذا السناريو، حيث الحالات الفردية للسطو لا تشكّل حالة عامة، لكن مرتكبي حالات السطو ظنّوا أن البيئة الأمنية مواتية لتحقيق مآربهم، لكن أجهزتنا الأمنية البطلة والمواطنون الواعون كانوا لهم بالمرصاد، فليخسأ كل من يحاول النيل من أمن هذا الوطن.
سابعاً- نظرية المؤامرة وأن حوادث السطو مفتعلة: البعض يتطرّف كثيراً في تحليله لدرجة أنهم يقولون أن حوادث السطو مفتعله للتغطية على قضية رفع الأسعار، وهذا جزماً كلام هراء وغير واقعي البتة.
ثامناً- السطو والتبريرات والاشاعات: بعض الناس يبرر حالات السطو بربطهم اياها بحالات الفقر المدقع، وكما أسلفت هذا غير صحيح لعدم ارتباط الفقر بسلوك السطو وهنالك حالات ميسورة قامت بذلك، لكننا لا نقبل بأن يبرر أحد أي عملية سطو مهما كان هدفها أو مبرراتها، فهذه التبريرات غير أخلاقية وتؤشر لأناس لا يعرف الانتماء للوطن لهم طريق.
تاسعاً- السطو والجهوزية الأمنية: جهود أجهزتنا الأمنية ترفع الرأس دوماً، ولا يمكن لوحدهم وضع حارس لكل مواطن أو منشأة، ولذلك مطلوب أن يكون المواطن عضدا أمنيا، والحديث اليوم يؤشر لضرورة انشاء فرق أمنية متخصصة لحماية الانشاءات المالية والاقتصادية والاستثمارية، ومطلوب تشاركية في ذلك من قبل القطاع الخاص للتعاقد مع فرق حماية خاصة كمسؤولية مجتمعية وضرورة الاحتراز والتحوّط في مسألة الأمنيّة المالية.
نحتاج بالطبع لتعظيم دور المؤسسات والتنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية للقضاء على حالات الفقر، كما نحتاج لتفعيل زكاة الأموال حتى يُغبط فقراؤنا فيها أغنياءنا لا أن يحسدونهم أو يسطون عليهم، ومطلوب أدوار تكاملية في مكافحة الفقر وضبط الأمن المجتمعي يشارك بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية والمؤسسات التربوية والمنابر الدينية والثقافية والاعلامية وغيرها، ولا يجوز التعويل على أجهزتنا الأمنية لوحدها في ذلك فكلنا شركاء في أمن هذا الوطن، فأجهزتنا الأمنية لها أدوار أخرى حريّ بِنَا أن نشكرها عليها لضبطها لأمننا الداخلي والخارجي بامتياز، ومطلوب مجتمعياً تجريم تبرير الأفعال الاجرامية أنّى كانت طبيعتها أو ظروفها، فالوطن ومصالحه فوق كل اعتبار، ومطلوب درء الاشاعات المرافقة لكل حدث والتي تنتقل كالنار بالهشيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية.
كما أن هنالك ضرورة للمساهمة المجتمعية في الأمن الوطني كلّ وفق طاقته ولنكون رديفاً للأجهزة الأمنية ليكون هذا الوطن عصياً على الطامعين وداسّي السمّ بالدسم وعازفي الأوتار، ومطلوب أن نقف في خندق الوطن وخلف قيادة جلالة الملك المعزٌز الذي يمضي بهذا الوطن قدماً صوب الدولة العصرية.
وأخيراً، فان المواطن المنتمي لوطنه ولقيادته الهاشمية لا يمكن أن يكون الّا في خندق المملكة الأردنية الهاشمية، ولا يمكن أن يمارس أو يبرر أو يُشيع أي سلوك جُرمي أو لا أخلاقي أو عابث في أمننا الوطني سواء سطو أو غيره، ومطلوب من الأردنيين كافة أن يكونوا في خندق الوطن دوماً وتفويت كل المحاولات البائسة للعبث بأمننا الوطني، ومطلوب من جميع الأردنيين أن يكونوا خلف قيادتنا الهاشمية وعضداً لجلالة الملك المعزّز في هذه الظروف، ومطلوب عدم الاصغاء للاشاعة وعدم التبرير للمجرمين فالمبررون والمخططون والمنفذون للجريمة واحد!
وزير الأشغال العامة والاسكان الأسبق .
الدستور