الإعلان العالمي للديمقراطية الاجتماعية
د. تيسير المشارقة
10-02-2018 10:02 PM
بدأ الفكر الديمقراطي الاجتماعي ينتشر في العالم في نهاية القرن العشرين 1989 بظهور الإعلان العالمي للديمقراطية الاجتماعية. جاء هذا الانتشار بعد انهيار التعددية وظهور ما يسمى بالعولمة والنظام الدولي الجديد الذي ادى إلى توحّش الرأسمالية العالمية وصعود أميركا كقيادة وحيدة للعالم.
ظهر الفكر الديمقراطي الاجتماعي كصرخة مدوّية ضد العولمة العارمة ومخاطر القطب الواحد وهيمنة أميركا على العالم وضد الاستعمار الجديد والتبعية، ومع العدل والمساواة والتوازن والحرية.
انتشر الفكر الديمقراطي الاجتماعي في أوروبا بشكل كبير وفي مصر وتونس والمغرب والكويت والأردن. ويستند هذا الفكر على مبادئ الديمقراطية الاجتماعي المنسجم مع الطروحات الإنسانية التي تنادي بالشعب مصدراً للسلطات والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية الحديثة والديمقراطية البرلمانية كخيار سياسي لتحقيق مبدأ العدالة والمشاركة السياسية.
الفكر الديمقراطي الاجتماعي هو فكر ومذهب سياسي، وهو منظومة مبادئ وافكار ايديولوجية تضع تصورات حول الحاضر والمستقبل ولها تفسيراتها للماضي . ولكن هذا الفكر يعتمد بشكل أساس على قيم العدالة والحرية.
ويسمح هذا الفكر بتعددية مفتوحة للآراء تتضمن الفكر الوطني والقومي والإسلامي والأممي، ولا اعتراض على هذه الأيديولوجيات طالما هناك اتفاق على العدالة الاجتماعية والدولة المدنية الحديثة والديمقراطية البرلمانية لتداول السلطة.
الفكر الديمقراطي الاجتماعي فكر إنساني ساهم في انبثاقه جهود كثيرة وصاغته عقول آمنت بالحرية واحترام قيم الحياة.
يمكن أن تلاقي مبادئ الديمقراطية الاجتماعية والحرية رواجاً في العالم العربي. ولا يمكن الاعتقاد بأن العالم العربي منغلق على نفسه ولا يستقبل مثل هذه الأفكار. ويقترب الفكر الديمقراطي الاجتماعي من الفكر الليبرالي التقدمي الذي يعطي الفرد أهمية خاصة. وينادي هذا الفكر بضرورة تحرر الإنسان من كل أنواع السيطرة والاستبداد، ومنها، استبداد السلطة والتسلط السياسي واستبداد المجتمع والتسلط الاجتماعي. ولا يمكن تحقيق هذا الأمر إلا من خلال عقد اجتماعي بين المواطن والدولة مبني على نظرية المواطنة والحقوق والحريات والكرامة وهي مبادئ اساسية في الفكر الديمقراطي الاجتماعي.
يحترم الفكر الديمقراطي الاجتماعي العلم باعتباره أداة تنويرية، والعلمانيون هو هؤلاء الذين يرجحون كفة العلم على الحدس، ويؤمنون بالمجتمع المدني لكافة مواطنيه. وطالما العلم والطريق العلمي هو أساس لتقدم الشعوب والمجتمعات فإن العقلانية هي الطريق كبديل عن المعرفة الغيبية الحدسية. والعقل هو المرجعية الأساسية في الوصول للحقائق. بالتالي يؤمن أصحاب هذا الفكر بالإنسانية التي تؤمن بالدفاع عن قيم الحرية الأساسية للإنسان وحرية الفرد ومراعاة مصالحه.
ومن المرجعيات الفكرية والثقافية أربع وثائق أممية، هي: (1) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و(2) العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و(3) العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، و(4) الإعلان العالمي للديمقراطية الاجتماعية. ينسجم الفكر الديمقراطي الاجتماعي مع مبادئ الحضارة الأوروبية التنويرية وله امتدادات فكرية عربية في أفكار وطروحات مجموعة من المفكرين العرب ورواد الفكر الإصلاحي مثل: عبد الرحمن الكواكبي، ورفاعة الطهطاوي، وخير الدين التونسي، وقاسم أمين، ومحمد عبده. هؤلاء العلماء كافحوا بعلمهم ووعيهم من أجل الإصلاح السياسي ورأوا في ذهنية الاستبداد أصل البلاء والفساد.
نقاط مبدئية أساسية في الفكر الديمقراطي الاجتماعي، وهي (العدالة الاجتماعية، والدولة المدنية الحديثة، والديمقراطية البرلمانية، وحقوق الإنسان، الحرية الفردية والاجتماعية، والتكافل ، والتضامن، ودولة الرفاه الاجتماعي، والمساواة، والعدل ودولة القانون، والحقوق المتساوية، والسلام والأمن والطمأنينة).
يقوم مبدأ العدالة الاجتماعية على طرح مجموعة من الأفكار حول التنمية الإنسانية، ويطالب الدولة بتحمل مسؤولياتها الاجتماعية في ظل التطور الرأسمالي، جراء تحويل الخدمات الصحية والتعليمية والتنموية إلى القطاع الخاص وسيادة نظام السوق الحر . وينادي هذا المبدأ بالإصلاح التدريجي للنظام الاقتصادي والمطالبة بـ"دولة الرفاة الاجتماعي" ـ
وتنادي الديمقراطية الاجتماعية أيضاً بـ: الحرية الفردية والمجتمعية والاجتماعية مثل حقوق الإنسان ومكافحة التمييز والتخلص من سطوة أصحاب وسائل الإنتاج.
المساواة والعدالة الاجتماعية، هي مبدأ آخر ولا يقتصر ذلك على المساواة أمام القانون بل أيضا العدالة والمساواة في التنمية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون تمييز والمساواة في الفرص. كذلك ينادي الفكر الديمقراطي الاجتماعي بـ" التضامن والتكافل الاجتماعي" وهذا يعني الوحدة الوطنية والاجتماعية والإحساس بالتعاطف مع ضحايا السياسات والممارسات غير العادلة ومحاولة تحقيق العدالة للجميع. مبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان وضمان الحقوق المتساوية لكل المواطنين من مختلف الأصول والمنابت والأديان والأفكار. ويعتبر أصحاب الفكر الديمقراطي الاجتماعي أن السلام والأمن والطمأنينة عناصر اساسية ومهمة من أجل العيش المشترك.