منذ أيام احتل موضوع الإساءة الى الأردن في إحدى حلقات هيكل التي تبثها قناة الجزيرة مكانا كبيرا في أحاديث الإعلام والسياسة. وهذا أمر طبيعي وضروري، لأن مثل هذه الإساءات يجب أن تجد الرد والغيرة الناضجة من الأردنيين على بلادهم وقيادتهم. لكن ربما علينا في سياق القضية أن ندرك الجانب الأهم هو أن هذه المادة الإعلامية التي يقدمها هيكل يتم بيعها الى قطر بملايين الدولارات تماما مثلما تشتري أي دولة أسلحة، لكنها تبقيها مخزنة، ويمكن الا تستعملها أبدا، ويمكنها أن ترسلها باتجاه أي طرف تريد إلحاق الأذى به.
ولهذا كان من السهل في أجواء تتحدث عن تنقية الأجواء العربية، وقبيل قمة الدوحة، أن يتم عدم بث هذه المادة المكررة لأن هيكل سبق أن تحدث بها في حلقات وكتب أخرى، ما يعني أنّ قرار البث كان قراراً سياسياً بامتياز، فهناك هدف ورسالة سياسية أراد أهل القرار في البث أن يرسلوها.
الرسالة قد لا يكون هدفها الأردن تحديدا، إنما الأردن في المنطقة الأقرب للقصف السياسي عبر هذه الرسالة والإساءة، لكن الغضب الحقيقي هو من حالة عربية، الأردن طرف فيها، حالة جعلت قمة المصالحة المصغرة في الرياض تستبعد قطر بسبب التشدد والتحفظ المصري، هذا التشدد المصري المستمر على صعيد المصالحة مع قطر الا بشروط محددة تحاول دول عربية أن تحولها الى مصالحة عبر وساطة تدور الآن.
الغضب القطري يكمن في أنّ القاهرة ستعمل من خلال عمليات المصالحة الفلسطينية الداخلية على اختطاف جزء من النفوذ والأوراق القطرية على الساحة الفلسطينية. فالقاهرة رغم كل ما لحق بها من اتهامات وتحريض خلال فترة العدوان على غزة استعادت مرجعيتها في إدارة الشأن الفلسطيني الداخلي، وأصبحت كما كانت محور المصالحة الفلسطينية، إضافة الى المفاوضات حول تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل وأمور إعادة الإعمار.
والغضب القطري كان أيضا على محاولة تبدو ناجحة حتى الآن للمملكة السعودية لإعادة سورية الى سياق عربي يضم السعودية ومصر، لأن قطر كانت لها منافع من تقاربها مع سورية، عندما تكون في خصام مع السعودية ومصر، أي أن الغضب القطري هو من حالة عربية لكنها اختارت الأردن لتقصف من خلاله هذه الحالة عبر بث حلقات تسيء للأردن وشعبه وقيادته، وهي حلقات كان يمكن أن تبقى في الأرشيف ألف عام دون أن يحدث شيء، مثلما لدى الكثير من الدول أرشيف، أو مواد إعلامية وسياسية ضد دول أخرى لكنها لا تستعملها.
ليست المرة الأولى التي يقول فيها هيكل تحليلا للأحداث يغضب دولا ويسيء الى أخرى، وتفرح له دول وتدفع لشرائه ملايين الدولارات، لكن استعمال هذا السلاح هو الرسالة السياسية، والعبرة ليست في الطلقة الأولى التي أرسلتها الجزيرة ممثلة لمالكيها، بل أيضا في الاستمرار في هذا الأمر. فإذا توقفت هذه الرسائل السياسية الرديئة فإن أبواب التفسيرات الحسنة ستكون مفتوحة بما فيها ما تقوله الدول أحيانا بأنها ليست مسؤولة عن البث، لكنها ستكون مسؤولة عن استمرار البث والإساءات، وإذا استمرت هذه الرسائل فإن الأمر يكون مؤكدا بأن هناك قصداً سواء ضد الاردن بذاته أو الحالة العربية التي أغضبت الاشقاء.
ما نعلمه في الإعلام الأردني أنّ هناك حرصا أردنيا كبيرا على التحسن الكبير الذي طرأ على العلاقات الأردنية القطرية، وهناك تشديد أردني على عدم الإساءة الى قطر وكل الدول العربية، ولا أكشف سرا إذا قلت إن الدولة حتى في هذه الحادثة تؤكد على ضرورة أن لا تؤدي الى أي إساءة الى الاشقاء القطريين، والحفاظ على علاقاتنا الأخوية. لكن هذا يحتاج من الأشقاء كف الأذى عن الأردن الذي يستطيع أيضا أن يرد سياسيا، وإذا كان لدى الأشقاء حرص على العلاقة الثنائية، مثل حرص الاردن، فالطريق معلوم بين الدول.
القمة العربية قادمة والأردن حريص على المشاركة في قمة الدوحة بأعلى مستوى من التمثيل، لكن أمام هذه الرغبة الأردنية عائق لأنه لا يريد أن تكون هذه الرسائل السلبية هي الأرضية، فكيف يذهب قائد دولة الى عاصمة تصله من قيادتها رسائل غير مريحة سواء من حيث البث أو الاستمرار في بث ما يسيء الى بلده وشعبه؟!
sameeh.almaitah@alghad.jo