الأصل أن الفقراء هم الذين يدخلون السوق كمقترضين للمال للإنفاق زيادة على دخولهم المحدودة التي لا تفي بالغرض ، أما الأغنياء فإنهم يستدينون للاستثمار وتوليد مال إضافي يكفي لتسديد الدين وفوائده ويحقق أرباحاً.
في حالة الدول نجـد نفس السلوك لنفس الأسباب، فالدول الفقيرة تستدين لسد العجز في موازناتها، والدول الغنية تستدين لتحريك الاقتصاد وتحقيق نمو يكفي، ليس فقط لخدمة الدين، بل يفيض إيرادات وأرباحاً اقتصادية واجتماعية.
أكثر الدول تحملاً للمديونية ليست الدول الفقيرة، فهي لا تستطيع الحصول على القروض بعد حد معين، بل الدول الغنية القادرة على السداد، خصوصاً إذا كانت من الدول التي تصدر عملتها بنفسها وتكون مقبولة عالمياً وبالتالي فإن قدرتها على السداد مضمونة.
أكبر دولة مدينة في العالم هي اليابان وتبلغ مديونيتها 240 %من ناتجها المحلي الإجمالي، أما كبريات الدول المدينة الأخرى فهي الدول ذات الاقتصاديات المتطورة والغنية، حيث تصل مديونية إيطاليا إلى 133 %من
ناتجها المحلي الإجمالي ، الولايات المتحدة 109 .%أما أكبر الدول ديناً بعد إيطاليا والولايات المتحدة فهي فرنسا 4ر97 ، %كندا 2ر81 ، %بريطانيا 89 %وألمانيا 7ر84.% هذا يعني أن المديونية ليست خيراً مطلقاً وليست شراً مطلقاً ، فظروف كل بلد تقرر طاقته على الاقتراض ، والأهم من ذلك أنها تعرف كيف توظف المال المقترض بما يزيد غناها وينمي اقتصادها.
الأردن يحاول أن يكون في منزلة بين المنزلتين: فهو يقترض مثل الدول الفقيرة لسد العجز ودفع الالتزامات بما فيها النفقات المتكررة ، ومثل الدول الغنية يقترض لتمويل مشاريع اقتصادية واستكمال البنية التحتية التي تنعكس بشكل نمو اقتصادي.
في وقت من الأوقات قبل ثلاثة عقود تقريباً وقع الأردن بأزمة عملة أجنبية وتوقف عن الدفع مما اضطر الدائنين إلى المساعدة بخفض الفوائد وإعادة جدولة الديون لفترات أطول زمنياً شريطة أن يطبق الأردن برنامجاً قوياً للإصلاح يضمن قدرته على الوفاء بالصيغة الجديدة من الالتزامات.
تحقق هذا بالفعل ولكن على حساب شد الأحزمة على البطون ، واليوم يتصرف الأردن سلفاً بحيث لا يقع في مأزق ، ولا يحتاج لإعادة الجدولة ، ويقوم اختيارياً بإصلاحات جوهرية تضع الإقتصاد الوطني على السكة الصحيحة.
الراي