تركيا تصارع في عفرين من أجل حقول الغاز في أراضيها
د. تيسير المشارقة
08-02-2018 02:47 PM
كل التسريبات الإعلامية حول المعارك التركية في الشمال السوري تقول إن كل الأطراف مستفيدة من هذه المعركة الطارئة والمحسوبة بدقة. و بلا شك أن التدخل التركي هو عدوان صارخ على الأرض السورية العربية. الأمر يُحوّل تركيا من "صديق" أو "خصم "إلى "عدو". فالعدوان له مبرراته التركية الاستراتيجية واللوجستية. وعربياً فإن العدوان الذي سيطول أمده (ضار) ولكن فيه منفعة على المدى البعيد.
يحتاج الأتراك لمشاغلة الأكراد والاشتباك معهم لإضعاف شوكتهم المستقبلية ومنع إقامة أي كيانية كردية قد تمتد إلى الأراضي التركية ذات الديمغرافيا الكردية والتي يعشعش فيها حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) وهي الأراضي الغنية بالغاز والتي ستتحرر من القيود الدولية بعد مائة عام من انهيار الدولة العثمانية. من أجل الغاز تخوض تركيا الحرب اليوم.
تلعب تركيا على التناقضات الدولية بين روسيا وأميركا وتستفيد من التسامح الروسي مع الأتراك في القضاء على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي الجناح الكردي المتعاون مع أميركا لخلق جيب أميركي في الأراضي السورية. وبالتالي تقوم تركيا بالخلاص من العقدة الكردية من الناحية الاستراتيجية لكي تأمن ولمائة عام مقبلة السيطرة التركية على حقول الغاز غير المستخرجة، ويجعلها تسيطر بلا منازع على الغاز المنافس للغاز العربي والروسي ذاته.
الأكراد، بكل أسف، يخسرون "المعارك الهوياتية ـ الكيانية" بسبب الارتزاق والذيلية لكل من إسرائيل وأميركا. الأكراد في شمال العراق كشفوا بطريقة أو بأخرى عن دعم إسرائيلي لهم، وظهر ذلك في كثير من الأشرطة والتسريبات الإعلامية التي شارك فيها أكراد وإسرائيليون (على حد سواء) في الاحتفاليات الوهمية الاستقلالية عند إجراء الاستفتاء على استقلال الشمال الكردي .. مما كان له الأثر الوخيم على الدعم العربي أو حتى العالمي لهذه النزعات الانفصالية المدعومة من الكيان الاحتلالي العنصري الصهيوني أو الأميركي. وكذلك وقع أكراد سوريا في ورطة العمالة للأمريكان وحصولهم على الدعم العسكرية والمالي من أميركا التي شكّلت (قسد) وهي القوات العميلة لأميركا وتمتثل لإيعازاتها. هذه الولاءات الغبية لإسرائيل وأميركا جعلت العرب يحجمون عن دعم الأكراد أو التسامح مع ولاءاتهم الفرعية. حركات التحرر العالمية أيضاً نفضت أيديها من الحركة الكردية (حركات وعصابات ومتمردين) المرتبطة بالقوى الرجعية والإمبريالية والصهيونية. وصار لسان حال العالم يتساءل: كيف يضع الأكراد أيديهم بأيدي الأمريكان ودولة الاحتلال الإسرائيلية التي تحرم الشعب الفلسطيني من الاستقلال والحرية؟ـ
معركة عفرين وشمال سوريا قد تطول لأن تركيا تريدها حرباً طويلة الأمد ومستمرة حتى تقوم بتهجير الأكراد من الشمال السوري وتوطينهم في مناطق متعددة في سوريا والعالم وتحويل الشمال السوري إلى منطقة عازلة خالية من الوجود الكردي وإنهاء الفرصة التي كانت سانحة لقيام كيانية كردية في الشمال السوري. وهذا الأمر ينسجم مع استراتيجيات النظام السوري وروسيا الحليفة له.
الحركة الكردية السُنّية، وقيام كيانية للأكراد في شمال العراق أو شمال سوريا أو شرق تركيا قد يساهم في دعم القوى الانفصالية في شمال غرب إيران، ومن هنا نجد غض الطرف الإيراني عن المعركة في عفرين وأريافها.
مشاغلة الأتراك للأكراد يفيد كل الأطراف وينسجم مع أهداف واستراتيجيات كل قوى الإقليم حتى إسرائيل.
التحالف العربي (السعودية ومصر والإمارات) لا مانع لديه من وحدة التراب السوري، ومع منع الاستقلال الكردي غير العربي المنحاز لإسرائيل وأميركا. وبالرغم من الخصومة التركية للتحالف العربي إلا أن المصالح الاستراتيجية في مرحلة "الخراب" تجعل من الخطأ التعارض مع الأتراك في مشروعهم الوقائي الحالي، فالمعركة ليست معركتهم وإنما تركية فيها اشتباك وإشغال لتركيا وصرف أنظارها وخطرها عن العرب ومشروعهم في صيانة وترميم أراضيهم وبلدانهم.
الحرب الطويلة التركية تشغل الخصم التركي عن التحالف العربي، وتجعل من قواعد تركيا في قطر والسودان باطلة المفعول ومنزوعة الفتيل في مقارعة مصر والإمارات والسعودية. هذا الانشغال التركي يشغل أيضاً حركة الإخوان المسلمين وهي الذراع السري للأتراك وقطر (و في المحصلة : إسرائيل)، ويحوّل انتباهها إلى حروب ومعارك جانبية، ويصرف الحراك الإخواني المعادي للعروبة والمرتمي في أحضان الأعداء والخصوم (التركي ـ الإسرائيلي ـالإيراني).
المعطيات والمؤشرات الإعلامية والجيوسياسية الإقليمية والدولية تشير إلى أن المعركة التركية في الشمال السوري ستطول وتخدم معظم القوى الإقليمية وتشغل بال الكون كله عمّا تقوم به إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة. والأكراد، في نهاية الأمر، ليسوا حلفاء حقيقيون لإسرائيل ولا لأميركا وإنما هم أدوات ومرتزقة لإسرائيل وأميركا وحصان طروادة في الصراع القائم في الشرق الأوسط.