علاج الصدمات وفشل الوصفات النيوليبرالية
د.مهند مبيضين
07-02-2018 12:37 AM
أقلّ ما يقال عن الراهن الاقتصادي فيما يخص الأسعار أنها موجة، عالمية وعربية، تجتاج الأسواق، والحكومات تقلد بعضها، مع اختلاف بسيط، طبعاً هذا لا يُبرر ما يحدث أردنياً، ولا يقرر أنه خطأ أو صواب إلا بالقدر الذي ينعكس فيه بمؤشرات أساسية تتعلق بتراجع حجم الدين العام وانخفاض نسبة البطالة وإحداث مشاريع تنموية حقيقة في الأطراف.
وفي الوقت الذي تقوم به الحكومة بضبط الرواتب العالية واقتطاع نسبة منها للموازنة، من رواتب الوزراء والأمناء العامين، هناك خلل في رواتب المفوضين، في الهيئات المستقلة، وهناك انفاق غير مبرر لدى الحكومة ولدى الناس، وهناك سلوك استهلاكي مجتمعي غريب، ولكن المواطن الأردني الذي ما زال يتحمل فشل السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، لا نستطيع انتقاده بالقول إنه لا يحتاج لخادمة بالمنزل أو لشراء سيارة حديثة أو نطالبه بتحديد سقف إنفاقه الشهري.
سياسات الأردن الاقتصادية كانت متنوعة، ولكنها غير مستقرة عبر ثلاثة عقود، من خروج جيد من أزمة العام 1989 إلى الراهن الأردني، هناك العديد من المحطات التي عبرت بها البلد إلى حالتها الراهنة، وأقسى ما تواجهه البلد هو الحالة الراهنة التي تضَخّم فيها الانفاق، وزاد عدد السكان وبات الضغط على الخدمات هو العنوان الأساس، وللأسف هناك استمرار للإدارة بنفس النهج القائم على العدوى الريعية التي اصابت البلاد، بفعل ظرف اقليمي عربي.
اليوم لدينا كلفة لجوء باهظة، ولدينا نخب فشلت في التخطيط، وتعيد الترويج لنفسها من بوابة الحراك المدني، واطلاق المبادرات والأحزاب الجديدة الوليدة، ونشهد مجموعات مؤيدة لها بالإعلام اعتادت الوقوف مع الأقوى، ولدينا بطالة عريضة في أوساط المتعلمين، وآلاف الشقق في المدن وبيوت الريف والقرى المرهونة للبنوك بقروض، هذا بالإضافة للسيارات، والمزارع متعثرة، والصناعي يحاول الخروج من البلد، والأباء يواجهون أسئلة الأبناء نريد ونريد ...
السؤال اليوم كيف أديرت عوائد الدولة والريع المتحقق من سياسات التوفير، ولماذا نخسر حكومياً في محاولة تحقيق نمو أفضل، ولماذا نفشل في تنمية المشاريع الصغيرة، وكيف نبدأ من جديد بالاعتماد على الذات دون مسّ جيب المواطن؟ لماذا افقر المزارع، ولماذا قلت قروض المشاريع الصغيرة، ولماذا لا يطفر صاحب الحلال والماشية؟.
ربما تكون الاجابات غير ممكنة هنا، لكن الثابت أن التعويل على تطور اقتصادي وخروج من الأزمة الراهنة، غير متاح بسهولة، فالاقتصاد الأردني تكيف على الصدمات، والحكومات لا تبدع بشيء من الحلول، والمواطن ينتظر الوعود، والخدمات تتراجع، والشيء الوحيد الذي يتقدم به المواطن هو سعيه للتعليم ومواجهة تحدي الانفاق في تعليم أبنائه، حتى ولو اقتضى ذلك الاقتراض أو بيع الأرض أو السيارة، لكن ذلك سينتج عنه أزمة لاحقاً تتعلق بالنتيجة المتحققة بعد التخرج من الجامعة، والأرقام مرعبة حيث تقول إن هناك أكثر من ثلاثمائة ألف خريج جامعة متعطلين عن العمل تتركز النسبة ألاكبر فيهم بالإناث، ومعنى هذا مشكلة أخرى، ذات وجه اجتماعي مرتبطة بالعنوسة وعدم الزواج.
المهم، إن ما نحتاج إليه حلولا حقيقية، قابلة للتطبيق، ولا أظن أنّ الشعب أو الحكومة لديه متسع من الوقت لسماع التنظير، وعقد المزيد من الخلوات والأجندات التي لم تقدم إلا صفعات متتالية للمواطن، بسبب مرجعيتها النيوليبرالية، والتي ثبت أنها أشد وجعاً من سياسات التكيّف الهيكلي.
الدستور