البادية الاردنية .. وقانون الانتخاب
د.طلال طلب الشرفات
06-02-2018 09:33 AM
عندما كنت امارس العمل السياسي المنظم في بداية التسعينات من القرن الماضي وفي إطار الخط الوطني الذي لا يثير قلق أحد كانت هناك مقاومة شرسة لاستقطاب الشباب في البادية في اطار العمل الحزبي لأسباب كنت افهم بعضها ولا زال البعض الآخر خافياً علي حتى يومنا هذا ، هذا المنع وتلك المقاومة لم تطل بشكل واسع اخوتنا وشركاءنا في محافظة المفرق من قبيلة بني حسن وباقي ابناء المحافظة .
كنت ادرك دائماً ان ابناء البادية سيصبحون ضحايا الانتقال الديمقراطي في التنمية والثقافة والمشاركة السياسية ، والسبب ان دوافع العزلة والعزل عن باقي قطاعات المجتمع الاردني ما زالت ماثلة حتى يومنا هذا ، رغم ان وفاء الدولة لهذه الفئة من الشعب الاردني تفترض ان يعاد دمج ابناء البادية في المزاج الوطني العام وزرع بذور التنوع في المخزون الثقافي والفكري لأبناء البادية بوسائل مختلفة ليس اقلها في فتح دوائر البادية الانتخابية انتخاباً وترشيحاً .
عندما كنت عضواً في لجنة الحوار الوطني عام 2011 واستطعنا اقناع باقي اعضاء اللجنة بتبني مطلب فتح دوائر البادية الانتخابية لدواع وطنية بحتة ، والغريب ان الحكومة وافقت وقتذاك على تعديل الدستور وانشاء الهيئة المستقلة للانتخاب والمحكمة الدستورية ولكنها رفضت حتى مجرد ان تتبنى اللجنة مطلب فتح الدوائر الانتخابية للبادية الاردنية .
مبررات الدوائر الانتخابية المغلقة لأبناء البادية زالت منذ سبعينات القرن الماضي بعد توطين ابناء البادية ، والانتخاب والترشيح على اساس عرقي مخالف للدستور بشكل صريح واخلال بمبدأ المساواة بين الاردنيين ، واصرار الحكومة على ابقاء حال الدوائر الانتخابية للبادية على حالها يذكرني بوظيفة ( الصبة الخضراء ) التي قُررت ليوم او اثنين واستمرت لعشرين عاماً بل يزيد .
الحكومة تتذرع بحماية مكتسبات ابناء البادية وهذا ليس صحيحاً فشواهد انكفاء ابناء البادية في المشهد العام ينذر بانحسار تأثرهم وتأثيرهم في الحياة السياسية وكل مظاهر المواطنة الطبيعية ، فالمرحوم الدكتور طراد القاضي كان وزيراً للصحة في حكومة كل الاردنيين ومنع من الترشح في اربد التي اقام فيها منذ ريعان شبابه وحتى وفاته لسبب وحيد انه من ابناء البادية ، والمرحومين مشهور الجازي ونايف الخريشا منعا من الترشح في عاصمة الوطن فقط لانهما من ابناء البادية .
لم يعد مقبولاً ان يعيش ابناء البادية على هامش الحياة العامة ، وبات مرفوضاً التعامل معهم كأقلية عرقية فالحكومات منذ عقدين لا تعرف معاناتهم ولا تعطيهم قدرهم في المشهد الوطني وهم لا يريدون سوى اندماجهم في قطاعات المجتمع الاردني سياسياً وثقافياً وفكرياً وتضحية ، ابناء البادية لا يريدون امتيازاً عن غيرهم ولكنهم فقط يأملون بأن تكون دوائرهم الانتخابية وفقاً لقواعد الجغرافيا في محافظاتهم كغيرهم من الاردنيين .
من حق ابناء البادية كأردنيين ان يترشحوا في الكرك وان يمارسوا حقهم في الانتخاب في الصندوق الذي يجاور عرار في تل اربد ، وان توزع بياناتهم الانتخابية في البلقاء وان يديروا حواراً في البقعة وتعلن نتائجهم في عجلون او معان ، من حقهم ان يختاروا كبقية الاردنيين وأن يحلقوا بأرواحهم وفكرهم في فضاء الوطن الرحب ، وليس من حق الحكومة ان تعزل ابناء البادية عن باقي قطاعات الشعب في ( جيتوهات ) عرقية مقيتة .
مؤلم لنا ومخجل للحكومة ان يبقى ابناء البادية كالهنود الحمر في وطنهم وان نبقى نعزف سيمفونية العرق التي ارهقت قيمنا الوطنية النقية ، وحمى الله الوطن ...!!