منذ تكريس قناة الجزيرة ظهور هيكل على شاشتها بشكل أسبوعي ، أثارت أحاديث الرجل حول المنطقة العربية و النزاعات الدولية و الاقليمية جدلا واسعا بين الاوساط السياسية و الشعبية و الاعلامية لحد أن بعض المواقف وصلت الى تشريح خطاب هيكل و تفنيد أدعاءاته التي يبثها في حديثه الاسبوعي الذي أصبح مادة للادمان لشرئحة واسعة مازالت أسيرة لمقولات الماضي وتعيش على أطلال حلم الفشل العربي .
هيكل يحرص بشكل لافت ببرنامجه التلفزيوني على ترميم و تجميل حقبة عربية أمتلت بالاخطاء السياسية و الاستراتجية للزعيم الراحل جمال عبدالناصر ، ويحاول أن يرسم بلغته السردية التي لا ترتقي الى خطاب النقد أو التاريخ أن يجمل أكثر الازمنة العربية الالتباسا و غموضا ولعنة في فكر الكثير من العرب الذين عاشوها .
لا أعرف ما هي الجدوى المهنية لقناة الجزيرة القطرية بهذه القصص "الدونكشتيكة" حول الماضي العربي ، وقصص التحليل و السرد و التفصيل بما لا يحتمل التفصيل ، بات أمرا غير مبرر في زمان الصورة و أمتدادها الافقي و الطولي وأتساع تاثيرها على الرأى العام .
من يتابع هيكل وهو ينثر أوراق تراثه على طاولة البرنامج و يحاط باضواء لامعة و ديكور متناسق و تصوير يعتمد على فنية الزوايا المحدبة لاخراج المشهد من ماضويته و أدراجه في سلم الزمان و التاريخ ، ولعلها محاولات أن صح وصفها فهي سينمائية لا أقل ولا أكثر لتبرير ما يمارس من أهدار للوقت على شاشة التلفزيون .
بكل المقايسس فان هيكل فشل في علاقته مع الصورة و تحول الى حكواتي تلفزيوني في زمان أندثر به الحكواتيون من المقاهي و المجالس فكيف على الشاشة .
حكايا هيكل المنتاثرة ببرنامجه خلال السنوات الاربعة الماضية فشلت في تحقيق جدل سياسي وتاريخي مؤثق حول قضية ما ، وأنما بقى هيكل الحكواتي يحلق في خيال الزعم و الافتراض و لو لمرة واحدة أيقنت الجزيرة و مديروها أن الحديث عن التاريخ له أصول مهنية و علمية تنظمه و أن سياسيات القفز على الاحداث و المراوغة و الافتراء لا يمكن أن تنتج الا خطابا نفسيا مصابا بامراض وعقد نفسية .
فلو تفتح الجزيرة الان أبوابها للحوار المؤثق حول حكايا هيكل و لكشف ما هو ملتبس بها وما هو مسقط بطريقة نفسية على أحداث ووقائع حسمها التاريخ و أبدى رائه بها بما هو صالح أيضا للمراجعة المنطقية و العقلانية ، بيد أن علة المنطق و عقدة الجغرافيا التي حصرت منظري زمان الرومانسية العربية لازالت رهينة عقول مفكري الانشقاق العربي .
هيكل ببرنامجه مالك للحقيقة و نحن المشاهدين لسنا الا جمهورا ملزمون بتقبلها و الاعتقاد بها وما دون ذلك فهو حرام في فكر هيكل و قناة الجزيرة مصدر أنبعاث السموم التاريخي فلا مجال هنا للسجال أو التساؤل أو الرد .
في النهاية فان ممازجة الحكاية بالصورة غير مسبوقة على الشاشات العربية و العالمية وهي محاولة تلفزيونية لم تنجح في الاستفادة من النموذجين و الفارق بين النموذجين أن التلفزيون يحاول أن يقدم الحكاية أو الفكرة أو المعلومة بصغية مختلفة ومن يريد أن يعرف هيكل فلماذا لا يقراءه و يطلع على كتبه التي تملئ المكتبات العربية ، فالمشاهدة كان من الاجدر أن تضيف بعدا أخرا نوعيا الا أنها هنا فشلت في ذلك .