ردا على ارحيل غرايبة .. هل احزابنا مؤهلة لتشكيل حكومة ؟
15-03-2009 12:39 AM
اثارت تصريحات ارحيل غرايبة ، نائب الامين العام لحزب جبهة العمل الاسلامي ، الكثير من ردود الفعل المستنكرة لهذه التصريحات ، وخاصة ما قاله عن الملكية الدستورية ، وكان الغضب الاكبر هو المكان الذي اطلق فيه تصريحاته ، وهو الولايات المتحدة الامريكية ، ونحن نعلم حجم التعبئة الجماهيرية ، التي تقوم بها الحركة الاسلامية في الاردن ضد الولايات المتحدة ، بسبب انحيازها السافر لاسرائيل ، وتعطيلها كثيرا من قرارات الشرعية الدولية ، المساندة للحق العربي ، ثم احتلالها للعراق وافغانستان ، والحرب التي تشنها على الارهاب ، وهذه بمفهوم الحركة الاسلامية ، هي حرب خفية على الاسلام ، وكذلك تدخلها السافر في شؤون الدول العربية ، بحجة مساندة الديمقراطية ، الى غير ذلك من المواقف التي تصنف امريكا كأكبر عدو للعرب والمسلمين .
بعد هذه التعبئة المستمرة ضد امريكا ومواقفها ، تأتي زيارة الغرايبة لامريكا ، وهذه الزيارة بحد ذاتها ، يجب ان تكون موضع ادانة ، فالوطنيون يجب ان يرفضوا زيارة امريكا ، والالتقاء مع ما يسمى مؤسسات المجتمع المدني ، التي هي بالحقيقة مراكز دراسات ، تقدم المعلومات عن الدول الاخرى واوضاعها الداخلية ، تمهيدا لحبك المؤامرات المناسبة ضد هذه الدول ، فمجرد زيارة الغرايبة لامريكا ، هو امر مستنكر ومدان ، فكيف اذا التقى هناك مع مسؤولين امريكيين ، حتى لو كانوا من الصف الثاني والثالث ، وكيف وهو يطلق من هناك ، تصريحا يطالب فيه بالملكية الدستورية في الاردن ، وكأن الامر استنجاد بامريكا لتحقيق هذا الهدف ، متجاهلين ان حرية الكلمة في الاردن تسمح باكثر من ذلك ، وقد سبق لمجموعة من السياسيين التوقيع على وثيقة تطالب بالملكية الدستورية .
اذا كنتم معجبون بالديمقراطية الامريكية ، التي جاءت بابن مهاجر افريقي اسود ، ومن جذور اسلامية الى سدة الرئاسة ، فلماذا لا تطبقون هذا الامر في بلدكم ، وتتبنون شعار الدولة المدنية الحديثة ، التي لا تميز بين مواطنيها مهما كان معتقدهم ، ولماذا تسمون انفسكم اسلاميين ، وكان الاخرين اعداء الاسلام ، ولماذا ترفعون شعار "الاسلام هو الحل" ، وكأن الاخرين يرفعون شعار "الكفر هو الحل " ؟
هل ما يجري الان ، هو توجه عام للاسلاميين في المنطقة العربية ، تسيرون فيه جنبا الى جنب مع حركة حماس ، التي تكرس انفصال غزة ، وتسعى لتكوين امارة طالبانية فيها ، كي تضم فتات الضفة الغربية لاحقا الى الاردن ، تنفيذا لموامرة ، لا اريد ذكر اسمها ، احتراما لرغبة جلالة الملك ، وفي نفس الوقت تغازل الامريكيين ، وتستقبل مبعوثيهم ، وتسلمهم رسائل "سلام " .
اذا كنتم تسمحون لانفسكم بالحج الى امريكا ، فماذا سيكون موقفكم لو ذهبت وفود اخرى الى هناك ، لتلتقي مثلكم مع "مؤسسات المجتمع المدني" ، كأن يذهب وفد من الحركة النسائية ليوضح الحقوق المهدورة للمرأة ، والقتل الذي يمارس ضدها باسم الشرف ، او يذهب وفد من الاقليات الدينية ، ليطالب بالحرية الدينية ، او وفد اخر من "اصحاب الحقوق المنقوصة" ليطالب بهذه الحقوق ، اذا كنتم سوف تسمون ذلك طعنا للوحدة الوطنية واستقواءا بالاجنبي ، فماذا تسمون الرحلة الميمونة للغرايبة وتصريحاته هناك ؟
يجب ان لا ننسى ان جلالة الملك الراحل ، الحسين بن طلال ، هو الذي منحنا الديمقراطية عام 1989 ، وليس نضال الاحزاب ، وكان دائما يطالب بتوحيدها ، لان الازدحام يعيق الحركة ، ولان التقدم بها الى الامام يتطلب ذلك ، وقد عشنا هذه التجربة الديمقراطية في الخمسينات ، قبل ان تجهضها ظروف قاهرة ، وجلالة الملك عبدالله يسير بنفس الاتجاه ، ويسعى لنفس الهدف ، عندما تصبح احزابنا مؤهلة لهذه المرحلة ، فها هي الاحزاب بعد عشرين عاما من الديمقراطية ، ما زالت تبرر عزوف المواطنين عنها ، بالخوف من السلطة ، واستمرار عقدة الخوف من مرحلة الاحكام العرفية ، رغم كل هذه التطمينات والدعوات ، لا بل المناشدات ، التي تطلب فيها الدولة الاردنية من المواطنين الانخراط بالعمل الحزبي ، واستحداث وزارة للتنمية السياسية ، ورغم الفترة الزمنية الطويلة التي مرت على انتهاء الاحكام العرفية ، ورغم توارد اجيال جديدة من الحزبيين لم تعاني من تلك المرحلة ، ما زالت الاحزاب تكابر ، وترفض الاعتراف بفشلها في استقطاب الجماهير ، وابتعاد بعضها عن الديمقراطية داخل تنظيماتها ، فاصبح بعض الامناء العامين يريدونها ملكية وراثية لهم ، ويبررون كل الممارسات اللاديمقراطية التي يقومون بها ، وهم الذين اشبعونا شعارات ابان مرحلة الاحكام العرفية ، تطالب بالديمقراطية ومكافحة الفساد ، لكن اغراء الكراسي قد برر كل المحظورات .
ايها السادة ، الهاشميون اصحاب شرعية دينية ، وانتم ترتكزون اليها في مبادئكم ، الهاشميون اكتسبوا شرعية تجربة تقارب القرن ، اثبتوا خلالها انهم ابناء مدرسة في القيادة والاخلاص والتضحية ، الهاشميون هم بناة الديمقراطية ، يشهد على ذلك تاريخهم في الاردن والعراق ، الهاشميون اصحاب برامج وطنية وقومية وتقدمية ايضا ، نهضوا بالاردن في كل المجالات ، وتقدموا به على طريق العزة والكرامة ، ويشهد على ذلك حاضر الاردن الغني عن التعريف ، الهاشميون مدرسة في الانسانية والوفاء ، يشهد على ذلك انسانية حكمهم في الاردن وتاريخهم في التعامل مع المعارضة والانقلابيين ، الهاشميون مدرسة في العقلانية والوسطية ، يشهد على ذلك مكانة الاردن في العالم والاحترام الذي يحظى به ، الهاشميون مدرسة في احترام حقوق المواطن والانسان ، والمساواة بين المواطنين ، ويشهد على ذلك اجماع كل فئات الشعب على الولاء لهم ، باعتبارهم الضمانة الحقيقية لاستقرار الاردن ووحدة ابنائه ، واخيرا ، الهاشميون لهم في الاردن حزب الاغلبية الساحقة ، وهم من يجب ان يختاروا رئيس الوزراء ، واتحدى من يقول غير ذلك ، ان يجري استفتاءا شعبيا حرا ، باشراف دولي ، او باشراف اصدقائكم الجدد في امريكا ، اتحداكم ان لم يحز هذ الحزب الاغلبية الساحقة .
m_nasrawin@yahoo.com