زمان..
وفي قريتنا البعيدة، وقف رجل حكيم، عركته السنون واطلق مقولة أصبحت مثلا، وربما نظرية في عالم المال والاقتصاد.
قال، لا فُضّ فوه « الاقتصاد نصفُ العيش» . وأسند ظهره الى الجدار وكان جدارا من الطّين.
تذكرتُ مقولة الرجل، حين ذهبتُ الى إحدى المؤسسات لاستكمال أوراق معاملة رسمية مضى عليها عام ونيّف.
طبعا، عدتُ بخفيّ «حُنين»، أو خُفّيْ «عُقلة» . وقد وعدوني بانجاز المعاملة خلال هذا العام. وحتى يتجاوزا الحَرَج، تبعوها بـ إن شاء الله.
وهذا ما منحني شيئا من الراحة.
لاحظتُ خلال انتظاري في مكتب المدير، غياب أشياء كثيرة. مثلا جاءه المراسل بمعاملة غير مكتملة، واتضح ان السبب عدم وجود «دبّوس» يحفظ الاوراق من «الفلتان» .
وحين اصطاد فضولي ونظراتي، قال بلهجة الشاكي: يا أخي، تخيّل، لا يوجد دبابيس في المؤسسة!.
قلتُ ـ بانبهار ـ : يا حول الله، معقول. مؤسسة كبيرة واضرب ـ الحقيقة، قلت أُظرب، واطرح، وما في دبابيس؟.
واضاف، عطوفته: الاوراق التي نكتب عليها، نضطر لاستخدامها على الوجهين، حتى نوفر. وقد أشرت الى الاقسام بضرورة الاختصار في الكميات والقرطاسية.
طبعا، هذا لا يجوز، ونحن... و(ألقى عليّ محاضرة في اهمية القناعة والاقتصاد والتوفير وادخل تجارب الامم والشعوب المكافحة، وتلك التي تكافح من اجل التقدم الاداري).
وأثناء انهماكه بالحديث، تدفق رنين الهاتف، فاحتار عطوفته، على أيّ منها يردّ!.
رفع سماعة الهاتف الاحمر، فاستمر الرنين، فالتقط الهاتف الرمادي بانزعاج. تنهّد، فعرفتُ أنه مستاء. هممتُ بالمغادرة. أشار بيده الأُخرى أن أجلس.
فجلست.
دخل رجل آخر، تبين انه سائقه الخاص. قال بسرعة: علمت ان عطوفتك طالبني. آسف ذهبت لشراء سندويشة.
أنهى المدير مكالمته وقال للسائق:
إسمع، يا فلان، أُريدك ان تذهب بالسيارة الى المدرسة وتُحضر الاولاد، وبعد ان توصلهم، تذهب الى المطعم وتوصّي على منسف؛ لأن المدام مش فاضية لهيك قصص. واحنا عندنا ضيوف ولا تنس تمر على محل الحلويات تاخذ معك صينية كنافة نص ناعمة ونص خشنة. مفهوم، وبعدين بترجع لي عشان تروحني.
انطلق الرجل لتلبية طلبات عطوفته، وكاد يصطدم بالمراسل الذي باغته بشكوى قسم السكرتارية الذي يفتقد الى أقلام للكتابة.
طبعا، هناك اجهزة كمبيوتر، لكنها «عطلانة» وتحتاج الى صيانة.
الدستور