الشرفات يكتب: طرح الثقة بين حكم الدستور وكسر المحظور
د.طلال طلب الشرفات
04-02-2018 02:10 AM
ماراثون الاحتجاجات الشعبية تأتي هذه المرة في سياقات مختلفة ؛ فهي تتجاوز ترف النخب للإطاحة بالحكومة لاعتبارات سياسية وايديولوجية الى مرحلة المساس بأساسيات الحياة كالخبز والوقود والسلع الاساسية التي ارهقت الفقراء الى درجة لا تحتمل ، وأوصلت الحال الى مستوى لا يطاق ، واقع وضع مجلس النواب امام اختبار صعب ربما يودي به الى الحل في وقت قريب .
المادة 53 من الدستور عالجت بصورة مرتبكة احكام طرح الثقة بالحكومة او طلب الحكومة للثقة من مجلس النواب ، اذ كان من الاجدى ان تخصص المادة 53 لطلب الحكومة للثقة عند تأليفها لأول مرة بطلب من الحكومة سواء كان المجلس منعقداً ام غير منعقد ام منحلاً ؛ بحيث تتقدم الحكومة بطلب الثقة خلال شهر من تشكيلها اذا كان منعقداً او بناء على دعوة المجلس لدورة استثنائية وطلب الثقة خلال شهر من تأليفها ايضاً او خلال شهر من اجتماع المجلس الجديد اذا كان منحلاً .
ونلاحظ هنا ان المادة 53 تتحدث عن طلب الثقة وهو الطريق الطبيعي لممارسة الحكومة لسلطاتها الدستورية والقانونية ، وبالتالي فقد كان المشرع الدستوري حصيفاً في اشتراط ان تحصل الحكومة على ثقة الاغلبية ، بمعنى انه في حالة مجلس النواب الحالي فانه يتوجب ان يمنحها الثقة 66 نائب على الأقل واما الغائبين والممتنعين والحاجبين فيحسبون لمصلحة عدم الثقة ، وهذا تطور ايجابي لمصلحة الثقة الشعبية .
اما طرح الثقة فإنها وبحكم نص المادة 54 من الدستور ووفقاً للأعراف الدستورية والاسس الديمقراطية فإنها تكون بطلب من الحكومة او عشرة من اعضاء مجلس النواب على الأقل ولكن الحكم الدستوري هنا مختلف فلكي يتسنى اقالة الحكومة فأنه يتوجب ان يحجب الثقة عنها 66 نائب على الأقل سواء تعلق الأمر بالحكومة ككل او بأحد الوزراء .
مما سبق يمكن القول ان الأغلبية المطلوبة لمنح الثقة تختلف عن الاغلبية الواجبة لطرح الثقة ففي الاولى تحتاج الحكومة الى أغلبية في المنح وفي الثانية يحتاج مجلس النواب الى أغلبية في الحجب وهذه نتيجة واسلوب ديمقراطي يسهم في توازن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
كان من الاصح ان تلحق الفقرتين 1،2 من المادة 53 بمطلع المادة 54 من الدستور مع الإشارة الى جواز طلب تأجيل التصويت على الثقة في حالة طلب الثقة او طرحها مدة عشرة ايام مع اعادة ترقيم الفقرات وفقاً لذلك لأن النص الدستوري يتوجب أن يكون جامعاً مانعاً ويخلو من اي لبس او ابهام فالاستهلال يجب ان يكون بطلب الثقة وليس بطرحها فالأصل ان الحكومة تطلب الثقة وتعمل للحفاظ عليها والاستثناء أن تحيد عنها ويتم طرح الثقة بها ، والاصل يقدم على الاستثناء في السرد والوصف والأحكام .
وأما بخصوص غياب رئيس الوزراء خارج البلاد فأنه واستناداً للمسؤولية التضامنية للحكومة فلا يوجد ما يمنع من التصويت على طرح الثقة في غياب الرئيس ، سيما وأن هناك رئيس للوزراء بالوكالة مع أن الدستور اصلاً لا يمنع التصويت على طرح الثقة في غياب كلاهما ، وحتى عندما يتعلق الأمر بوزير محدد فأنه لا يشترط حضوره ايضاً التصويت على طرح الثقة به .
مجلس النواب يعيش أحرج اللحظات منذ انتخابه وهو يقبع بين مطرقة الشعب وسندان الحكومة في خيارين احلاهما مر ، فمنذ عودة الديمقراطية عام 1989 بقي الزواج الكاثوليكي عنوان للعلاقة بين الحكومة ومجلس النواب وما مهرجانات الثقة في المجالس السابقة الا مكياج سياسي فج لم ينطل على احد ، والحالة الوحيدة التي استقالت فيها حكومة دولة طاهر المصري انما كانت طلاقاً عرفياً ومبادرة من المصري ذاته الذي يٌشهد له احترامه للخيار الديمقراطي ورغبة النواب فأختار الاستقالة على طلب حل مجلس النواب وقت ذاك .
اقرأ بين ثنايا المشهد السياسي والبرلماني أن الحكومة لن يتم اسقاطها في البرلمان ، وأن الاحتقان الشعبي سيصيب مجلس النواب في مقتل وأن المجلس لن يكمل مدته لأن الاختبار هذه المرة يختلف تماماً فمن لا يرى الشمس من وراء المنخل هو بالضرورة أعمى .
غياب دولة رئيس الوزراء خارج البلاد في رحلة علاج يستوجب منا ان نلهج بالدعاء الى الله العلي القدير ان يكلأه بعين رعايته وأن يعيده للوطن سالماً معافى مواطناً بين جماهير الشعب ، وحمى الله الوطن ...!