هذه أغرب إدارة أميركية، تمر على واشنطن، وعلى العالم، والأدلة على ذلك كثيرة، آخرها اصرار الرئيس الاميركي على فرض وصفته للحل السلمي، سواء قبل الفلسطينيون بذلك ام لم يقبلوا.
كل المؤشرات التي تسربت تتحدث عن ترتيبات غير مقبولة بشأن القدس والحدود واللاجئين، وبهذا المعنى تكون هذه الصفقة، مجرد تصفية للقضية الفلسطينية، مثلما كانت عملية السلام بحد ذاتها، تصفية من نوع آخر، فيما يراد اسدال الستار اليوم، على هذه القضية، ايا كانت كلفة ذلك.
المبعوث الأميركي لعملية السلام جايسون غرينبلات ابلغ قناصل دول أوروبية معتمدين في القدس، بأن صفقة القرن في مراحلها الأخيرة، وأن غرينبلات في معرض حديثه عن صفقة القرن أكد للمسؤولين الأوروبيين أن الطبخة على النار ، وإن الخطة الأميركية الجاري إعدادها تشمل المنطقة، والفلسطينيين أحد أطرافها، لكنهم ليسوا الطرف المقرر في تطبيقها.
تحليل المعلومات التي تسربت من لقاء القناصل الاوروبيين في القدس، يشير الى نقطة خطيرة جدا، اي ان الفلسطينيين طرف في هذه الصفقة، لكنهم ليسوا الطرف المقرر في تطبيقها، وهذا يفتح الباب لتساؤلات كثيرة حول مغزى الكلام، ومعانيه المتعددة.
في كل الاحوال لا يمكن لاي طرف فلسطيني او عربي ان يقدم تنازلات في ملفات مثل، القدس والحدود واللاجئين، لان التنازلات هنا، تعني التنازل عن القدس عاصمة للفلسطينيين، وتغيير الحدود، وتوطين اللاجئين في كل مكان، وهي اجراءات لايقدر عليها اي طرف في المنطقة.
لا توجد قوى لدى واشنطن لفرض هكذا حلول؛ لان القصة لا تتعلق -فقط- بما يقرره السياسيون، بل ان هناك جملة عوامل لا يجوز اسقاطها، من هكذا تصورات، ابرزها الموقف الشعبي العام، ومواقف القوى الحية سياسيا في كل بلد، واذا كانت واشنطن ربما تستخف بهذه المؤثرات، فإن المؤسسات الرسمية في المنطقة، لا تستخف بهذه البساطة بهذه العوامل، وتضع حسابا لها على مستويات مختلفة.
اتجاه واشنطن لتصفية القضية الفلسطينية واضح عبر عدة مؤشرات، ابرزها الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، ثم تصريح ترمب اللاحق، بإخراج القدس من مفاوضات الحل النهائي، وتخفيض مساهمات واشنطن لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الاونروا»، وتعليق غرينبلات ذاته امام القناصل الأوروبيين حول أن إدارة ترمب تريد إنهاء عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» .
اللافت للانتباه ان واشنطن التي تريد تمرير ما يسمى بصفقة القرن، يسبقه تصعيد كبير ضد الفلسطينيين، لغاية دفعهم للتراجع قليلا عن كل تلك الممانعات الفلسطينية، تخوفا من ادارة ترمب بأن اصحاب القضية لديهم القدرة على افشال الوصفة الاميركية، بمجرد رفضها، وبحيث لايكون لبقية الاطراف الاخرى، اي مساحة للقبول، مادام اصحاب القضية ذاتها يرفضون التصور الاميركي، وهذا يعني حصرا ان واشنطن تدرك ان الضغط على الفلسطينيين يجب ان يشتد لضمان مرونة فلسطينية امام هذه الوصفة، او حتى تخفيفا لتلك الممانعات.
لكن الذي على واشنطن ان تعرفه انه برغم كل الضعف في المشهد الفلسطيني والعربي، الا ان التسوية النهائية للقضية الفلسطينية، لا تمر بهذه البساطة لاعتبارات مختلفة، وليس ادل على ذلك، من ان واشنطن في مراحل سابقة قدمت وصفات افضل بكثير من ما يسمى بصفقة القرن، الا ان الجانب الفلسطيني رفضها، ولم يقبل بها، لكونها تمس محاور حساسة جدا في القضية الفلسطينية.
ما يمكن قوله حتى اللحظة ان واشنطن لا تريد حتى الاستماع الى الفلسطينيين، وتنزع الى فرض تسوية، وهذا امر يقول ان الاخفاق سيكون كبيرا على صعيد هذا الملف، عند الاعلان عن التسوية، وهو امر لا تحاول واشنطن تجنبه منذ الآن.
الدستور