ذات نهار، ركبت سيارة تكسي، كنت متوجها الى جبل عمان لإتمام معاملة، كان السائق متبرماً أصلا، لذلك فضلت أن أكتفي بإلقاء التحية، وما كدت أفعل حتى إنساب لسانه في حديث غير مترابط .
بدأ أولا في توجيه نقد لاذع للسائقين الأخرين، في الحقيقة كان معه حق، فالقيادة في عمان مزعجة، لكن المشكلة أن الجميع يمارس ذات الأخطاء والجميع ينتقدها كذلك، فهو يتخطى مسربه معترضا سيارة أخرى، ويلعن من يفعل ذات السلوك معه .
إستأذن السائق من وهو سلوك أعجبني، أراد أن يملأ خزان وقود السيارة في البنزين، لم ينس طبعا أن يلعن أسعار البنزين والضريبة، ولم يفوت الفرصة في سرد أخطاء قرارات التصحيح الإقتصادي، إطف بسيارته الى جوار ماكينة التعبئة وإذ بفتاة تفتح كوة خزان الوقود في سيارته وتبادره، بكم تؤمر، فناولها دينارين، ولم يقل لها بكم، نفذت الفتاة المهمة بهدوء وإحترام وقالت تفضل، فقال شكرا الله يكثر من أمثالك والله شغلك بيرفع الرأس، الله يقويك ويعينك وانت نشمية أخت الرجال .
فرحت في قرارة نفسي، فالمجتمع بدأ أخيرا يتقبل فكرة أن تعمل فتاة في كازية بنزين أو في مهنة كهربائي أو مواسرجي، فبادرت السائق معبرا عن إعجابي بفكرة عمل الفتيات في الكازيات وقلت هذا شيء جيد، فتيات يعملن، يعلن أسرهن، هذه ثقافة العيب بدأت تنهار، فقال. من قال لك ذلك، عمل المرأة في مثل هذه المهنة عيب، أصلا عمل المرأة كله خطأ، المرأة مكانها البيت، فقلت، هذا كلام غير صحيح، فقد بدأ الناس يعتادون مثل هذا المظهر ويتعاملون معه بكل إحترام، فقال .. يا سلام، والله لو أنه أختى لسجنتها على أن لا تفعل هذا، تعرض نفسها في كازية، فقلت هذه كازية وهي عمل محترم، وليس ملهى أو كابريه فقال نفس الشيء .
قلت، لكنك إمتدحت الفتاة ورأيتك تشجعها فما بالك غيرت رأيك، فقال، مجرد كلام لكنني في الحقيقة لا أحترم فتاة تعمل في أي مهنة، قلت فما بالك لو رأيت فتاة تقود سيارة تكسي، فقال هذا أخر وقت .
حسنا لم أجد أي تفسير للتناقض بين ما صبه هذا السائق في أذن الفتاة من مديح وثناء وبين ما قاله لي بعيدا عن أذان الفتاة سوى مرض الشيزوفرانيا أو الفصام الإجتماعي.
الفصام كما في تعريفه العلمي هو اضطراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع
تشمل الأعراض الشائعة الوهام واضطراب الفكر والهلوسة السمعية بالإضافة إلى انخفاض المشاركة الاجتماعية والتعبير العاطفي وانعدام الإرادة غالبًا ما يكون لدى المصابين بالفصام مشاكل نفسية أُخرى مثل اضطراب القلق .
هذا بالنسبة لتعريف المرض الشائع، أما الفصام الإجتماعي فهو التعبير عن رفض التغيير، والتناغم معه في ذات الوقت وهو مثير للحيرة وللسخرية معا إذا كيف يمكن أن يجتمع في داخل إنسان معتقدان في ذات الوقت واحد ظاهر والثاني مستتر وهو الأخطر .
الحقيقة أن هذا السائق وغيره ممن يعانون ذات المرض يثيرون الشفقة والسخرية في ذات الوقت تماما مثل السياسي الذي يؤيد سياسات الحكومة عندما تدهمه كاميرا التلفزيون وينتقدها في جلساته الخاصة .
الشيزوفرينيا أو الفصام الإجتماعي فحدث ولا حرج، مثل هذا المرض يأكل صاحبه، فيغتاظ لأي شيء ولأي مظهر، يثير حنقه وحسده وحقده على المجتمع وعلى الناس، ويجعله في عزله .
ومن مظاهره إسهاب المريض في نقد بعض المظاهر بعنف وشدة بإعتباره مصلحا إجتماعيا يعيش في قمقم، لكنه في قرارة ذاته يتوق لأن يكون كذلك ولأن يتجسد هذا النموذج أو ذاك لكنه لا يستطيع إما لعجز أو لأسباب إجتماعية أو أنه في حقيقة الأمر هو كالمثل القائل «كل إناء بما فيه ينضح» وهو يجسد عمق المرض وخطورته وتغلغله في خلايا العقل والقلب وسريانه فيهما مجرى الدم في الجسد.
إن كان من نصيحة لهؤلاء، فقد أفادت دراسة بريطانية حديثة، أن التمارين الرياضية يمكن أن تساهم في علاج فقدان التركيز وضعف الإدراك والذاكرة الناجم عن الإصابة بمرض انفصام الشخصية.
الرأي