تاريخنا الوطني وغياب المدرسة
محمد يونس العبادي
01-02-2018 10:47 PM
ما زالت عناوين الكتابة لتاريخنا الوطني تراوح مكانها منذ عقودٍ وتدور في فلك المدرسة التقليدية البعيدة عن العصرنة وإشغال العقل والتحليل، وما زالت تدور في فلك المصادر المعتادة دون ولوج الكشف الوثائقي.
فالمتابع للكتابة التاريخية في وطننا ونتاجها يلحظ عدم مسايرتها لحجم الوثائق المنشورة أو المحفوظة أو المعلن عنها، إذ أن كثيراً من وثائقنا لم تصل لها أياد الباحثين بعد، سواء داخل وطننا أم في البلدان العربية المجاورة أو الدول الكبرى.
وهذه الحالة التي توصف بالضعف يضاف لها غياب التحليل والروية عن كتاباتنا التاريخية وما مر به الأردن من حوادث ومفاصل عظمى عبر عقودٍ مضت.
ما يدفع للكتابة عن حالة الفراغ أو غياب المدرسة هو المقارنة بين كيفية كتابتنا للتاريخ وغيرنا، وأسلوبه في استخلاص العبر، فتيار كالمؤرخين الجدد في اسرائيل أشغل الأوساط الأكاديمية بما قدمه من روايات مناقضة للرواية الصهيونية، ونجح باستغلال الكشف الوثائقي لصياغة رؤية تقول بحتمية بقاء اسرائيل ضمن حدود 1948م.
فهذا التيار بات مدرسة في الكتابة التاريخية الإسرائيلية ومن بين رواده المؤرخ اليهودي العراقي " آفي شلايم" و" بينيه موريس" وغيرهم، فهؤلاء قدموا رواية لتاريخ دولة اسرائيل مناقضين رواية الدولة الرسمية، وأحدثوا جدلاً يؤشر تمنينا أن يكون عربياً أو أردنياً.
فنحن لليوم نعاني في كتابة التاريخ من إما دخلاء أو تقليديين أو مجمعين، إن جاز التعبير، دون أن نولي أهمية لأي كشف وثائقي يضاف إليه قلة الإقبال على دراسة هذا التخصص ورفده بعقول مميزة كنتاج لظروف العمل المستقبلي أو للنمطية السلبية في ذهن الأجيال عن دراسة التاريخ !
هذه الحالة أيضاً باتت مؤشراً يستدل منه على الحاجة لإيلاء موضوع التاريخ أهمية كبيرة في العقل الأردني، وتنشيطها يتأتى من خلال الدفع باستخدام الكشف الوثائقي وتحسين المدخلات سواء من طلبة أو باحثين، حتى لا نصل إلى مرحلة غياب المؤرخ، إن لم نكن وصلنا لها، بما يأخذنا إلى عالمٍ من غياب الذاكرة أو الاتكاء على الذاكرة الشفوية، أو بحث العامة وغير المختصين عن روايتنا عن أنفسنا في كتابات غيرنا!
ويستطيع أي مختص أو قارئ في التاريخ أن يلمس حالة من بداية الأمية التاريخية في عقول أبنائنا، مقابل نشاطٍ في الكتابة التاريخية عن الأردن من قبل آخرين.
ومثالاً على ذلك صدور كتاب عن رئيس قسم التاريخ في جامعة تل أبيب يتناول سيرة احدى الشخصيات الوطنية في عهد الإمارة، خلق نقاشاً أكاديمياً وقدم رواية أحوج ما نكون أن نكتبها نحن، خاصة وأن الوثائق متوفرة.
غياب المدرسة التاريخية في الأردن حالة تتمدد، وتستغرقنا، وهي بحاجة لمن يتنبه لها، خاصة من أصحاب الاختصاص والمؤهلين.. !
نريد مدرسة لكتابة تاريخ بلدنا .