هو الأردن الذي يراه جلالة الملك كما عبر عنه في حواره مع شباب الجامعة .
بصراحة وبلا مواربة أفكار الملك سابقة علينا جميعا , لكنها في ذات الوقت تكشف المساحة الفارغة بين رؤية رأس الهرم للبلد وبين أفكار النخب التي تفصلهم عن الأجيال الشابة , لكن المشكلة تقع في النخب التي تجلس في سلطة صنع القرار .
الملك عبر عني وعن ملايين المواطنين , لكن قليلا من المسؤولين ومن ينتمون الى طبقة النخب في الإدارة العامة يؤمنون بهذه الأفكار حتى لو تشدقوا بها ليل نهار .
واضح أن جلالة الملك عبدالله الثاني يقود بنفسه ثورة بيضاء لكن ناعمة , لهيكلة مؤسسات الدولة شكلا ومضمونا , لكن السؤال ظل دائما يدور حول الأدوات, وقد آن الآوان لأن يكون الجيل الشاب أدوات التغيير.
«الدولة المدنية» هي الأردن الذي نريد على أساس تعميم الغنم والغرم معا ومن الطبيعي أن لا ترضي هذه المبادئ من توقفوا عند مفهوم دولة الغنم دون الغرم باعتبار أن المكاسب حق يقترن فقط بالولاء السطحي المجرد .
.بينما يغرق المنظرون من حول الحراكات في مستنقع تأويل مفهوم المواطنة فمنهم من يربطها بالأصول والمنابت ومنهم من يعلقها بطرف خيط الجنسية ومنهم من لا يعتبر الأخيرة ذات قيمة تذكر .
الأردني لا يقف ضد الأردني لإختلاف الدين والعرق والأصل والمنبت ولا لخلاف سياسي أو إجتماعي ولا لتباين طبقي , الفيصل هو مصلحة البلاد والعباد , دول كثيرة صعدت بسرعة الصاروخ لأنها قوننة هذه القيم ووقفت مثل حد السيف في وجه من يروج لها أو يمارسها فما الذي يمنع من قوننتها تحت طائلة المساءلة المشددة .
الأردن الذي يكرس مفاهيم وبذور المواطنة الفاعلة على أساس مبادئ التعددية التي تحترم الفكرة ولا تحفل بسواها , وإن كانت المبادئ الاقتصادية لخصت مفهوم المواطنة بأفضل تفسير , فللمواطن حقوق لا تنته لكن عليه واجبات محددة تؤكد مواطنته وتثبتها بمعزل عن أي اعتبار آخر , سوى اعتبار احترام القانون وحقوق الأخر .
مشروع الدولة المدنية يواجه تحديات كبيرة بدءا بالإنتخابات شكلا ومضمونا فهو الإختراق الواضح في جدار الدولة المدنية الطري الذي يأتي عبر بوابة التشدد في تراشق إجتماعي تجاوز الحدود الى تخويف المجتمع من التغيير ومحاصرة المسؤول كي لا يتخذ القرار أو يجد في النقد غير المسؤول حجة يختبئ خلفها .
سيادة القانون مهمة لكل مواطن لكنها من زاوية أخرى مهمة أكثر للمستثمرين , فلا إستثمار مطمئنا دون قانون يسود , وقد كنا سردنا في وقت سابق قصصا كثيرة عن مستثمرين تخلوا عن مشاريع وإستنكفوا عن أخرى لتلك الأسباب .
الأردن الذي نريد دولة يعيش من فيها بحرية مسؤولة لا تعتدي على حرية الأخرين, لا تمييز فيها بين أحد الا بمقدار ما ينتج ما يفوقني حرصا عليها وعلى مواردها وثرواتها ويحترم ويقدر تنوع مواطنيها وتعدد أرائهم وأعراقهم ودياناتهم لا يصدر فيها أحد الأحكام المسبقة على أحد ولا يصرف فيها أوصافا معلبة تحاسب الناس على المظاهر , أفعالهم هي المعيار , ومع نهاية كل يوم ندعوا الله أن يحفظها ويحفظنا في مساجدها وكنائسها .
qadmaniisam@yahoo.com
الرأي