الاستثمار بالمستقبل .. الشباب من التعليم إلى حماة المستقبل
رومان حداد
01-02-2018 02:40 AM
جاءت زيارة جلالة الملك للجامعة الأردنية ولقاؤه مع مجموعة من الشباب والتحدث معهم حديثاً مفتوحاً وصريحاً كمؤشر مهم فيما يتعلق بموضوع الشباب في الأردن والرهان على المستقبل، وكنت قبل ما يقارب العشرة أيام قد كتبت مقالاً عن الشباب، فجاءت الزيارة لتعطيني شرعية الخوض في موضوع الشباب مرة أخرى ومن زاوية جديدة.
جميعنا ندرك التحديات التي تواجه العملية التعليمية في الأردن، ولكن علينا كطالبي علم ومعرفة وكقائمين على العملية التعليمية والمعرفية أن نبقى يقظين، وأن نسأل ثلاثة أسئلة أساسية يمكن من خلالها دائماً مساءلة (أو محاكمة) العملية التعليمية، هذه الأسئلة هي (ماذا نتعلم، لماذا نتعلم، كيف نتعلم).
حين نسأل ماذا نتعلم نريد أن نعرف مضمون ما نتعلمه، مدى علميته، وهل ينتمي هذا المضمون لعصرنا ويساعدنا على بناء المستقبل، فمضمون ما نتعلمه ضروري كي نبقى قادرين على المنافسة التعليمية مع العالم.
أما سؤالنا الثاني لماذا نتعلم فهو سؤال مركزي في العملية التعلمية، لأنه يسائل السبب الذي يقف خلف ما نتعلمه، ويقودنا لمعرفة دورنا في العملية التعلمية، كما يكشف لنا أين نقف في المستقبل.
السؤال الثالث كيف نتعلم هو السؤال الذي يحدد دور الطالب في العملية التعلمية كباحث عن المعرفة وليس متلقناً لها، وبالتالي فهو يعمل العقل والتفكير، وبهذا المنهج سيتمكن الطلبة من امتلاك مهارات الحوار وصقل شخصياتهم، ويساعدهم ذلك على امتلاك معارف متسقة مع التطور وملكات معرفية قادرة على التعامل مع المعلومات وتطوير العلاقات بينها.
إذا ما توافرت الإجابات عن الأسئلة الثلاثة السابقة وتضافرت مع بعضها فإن الطالب حينها يكون ناشطاً اجتماعياً يقود التنوير في مجتمعه، ويحول المدرسة حينها إلى مؤسسة اجتماعية للتغيير والتنوير والعقلانية قادرة على التأثير في حدود مجتمعها.
وإذا آمنا فعلاً بدور الشباب في بناء حاضرنا ومستقبلنا، وأدركنا أن الشباب عوامل تغيير وتنوير أيضاً، وعرفنا نواحي النقص العديدة التي يعاني منها القطاع التعليمي في الأردن، سندرك أهمية القيام بعمل مؤسسي ليكون فاعلاً وقادراً على توحيد الجهود المتعلقة بقطاع الشباب والعمل التطوعي والمشاركة المدنية وتحديد بوصلة هذه الجهود لتحقيق إنجاز ملموس على أرض الواقع، ويملك إمكانية استدامته وتطويره.
فدعم الشباب يتم من خلال تطوير مهاراتهم المختلفة في جميع محافظات المملكة، وهو ما يساهم بإنتاج جيل واعٍ وقادرٍ ومؤهل من الشباب، وهو ما يؤكد مقولة الأمير الحسين بن عبدالله الثاني سمو ولي العهد «قوتنا بإنساننا».
كما يجب العمل على تحسين مستوى معيشة الشباب عبر تأهيل الشباب فكرياً واجتماعياً بالإضافة إلى تأهيلهم بالمهارات الحياتية الضرورية وتمكينهم معرفياً واقتصادياً، والعمل على إدماج الشباب أكثر في المجال العمومي، عبر إدماجهم في آلية صناعة القرار، وإدماجهم في سوق العمل وفق متطلبات هذا السوق وبكفاءة عالية.
فدور شبابنا اليوم أن يكونوا محركاً للعملية التعلمية في الأردن، وذلك عبر ما يطرحونه من أسئلة وما يحاولون تقديمه من إجابات، فالسؤال بوابة المعرفة والجواب جسر للوصول إلى السؤال التالي، وليس حائطاً يمنعنا من التفكير، وحين يقوم الشباب بدورهم التنويري هذا، فإنهم يتحملون مسؤوليتهم بتطوير المجتمع وإحداث النقلة الضرورية لوضعنا على عتبات المستقبل.
هذا الدور الذي ننتظره من شبابنا يعني ضرورة امتلاكهم القدرة على لعب دور مهم في التنمية السياسية، فالتنمية السياسية تعني مشاركة الأردنيين بصورة فاعلة في صناعة القرار وإفراز ممثليهم لمجلس النواب ومجالس اللامركزية والبلديات، وهو ما يقود إلى تنمية اقتصادية شاملة في الأردن، حيث تتوزع عائدات التنمية بصورة عادلة على المواطنين في مختلف مناطقهم، وتقود المحافظات مسيرة التنمية، وتتوقف عن كونها طاردة لأبنائها نحو العاصمة.
حين ننظر حولنا نرى أننا نعيش في ظل منطقة يدمرها الصراع، ودول مهددة بالزوال، وحين ننظر إلى الأردن نكتشف قدرتنا على إنشاء دولة تؤمن بالتنوع والاختلاف، بحيث يكون تنوعها مصدر قوتها، فعلينا أن نعمل للمحافظة على ما يميزنا، فكلنا أردنيون لا فرق بيننا، وبتنوعنا واختلافنا ووجودنا معاً نؤكد استثنائية الأردن في منطقته.
وكما استطاع أجدادنا توريثنا وطناً زاهياً ومبادئ إنسانية قامت عليها الثورة العربية الكبرى، فإن علينا العمل الجاد لنورث أبناءنا وأحفادنا ما يفاخرون به، وإذا كان أجدادنا وأباؤنا حراس ذاكرة الوطن، فعلى الشباب أن يكونوا حماة مستقبله، يحمونه بعلمهم وثقافتهم ومعرفتهم، وبريادتهم في مجالات شتى، ليكونوا عنواناً لأردن حيوي قادر على عبور التحديات.
عنوان التعامل مع الشباب يتلخص بثلاث كلمات هي: تعليم، تمكين، إشراك.
الرأي