لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... خطر لي هذا الشطر مما فاضت به قريحة العربي في وصف تلازم العلاقة بين الشوق والمكابدة أو بين التجربة ومحصلتها ... اقول خطر لي هذا الشطر من الشعر حين رمي الأردن بتهمة التنصل من الالتزام بالحق غير القابل للتصرف فيما يتعلق بحق العودة .. وهل اكثر من الأردني مكابدة للجوء وشوقاً لاحقاق العودة ممارسة فعلية لا سياسية بل جذرية وهل في الكون كله أكثر من الأردن حفظاً لاعناق تدلت منها مفاتيح حوش الدار في البروة وام الفحم والطيرة...لقد تداخل بيت الشعر بخيمة اللجوء منذ لحظة الاستقلال فلا تكاد تفرق لاجئنا من المضيف .. فهل يعقل ان ينطق الأردن بما يفيد عكس اماني بعض اهله ... يخطئون ويوغلون في الخطأ حين يرمون الاردن بما هو ليس به ويخطئون اكثر حين ينسبون هذه الخطيئة لسيد كان عنوان عرشه وسويداء عينه اعادة الحق لاهله ..
منذ لحظة ميلاد الأردن وحتى يعود آخر لاجىء الى اهله والاردن ما بدل تبديلا وكان في كل منعطف لسان الحق الفلسطيني. أليس صدى كلمات عبدالله يتردد وما يزال في اروقة الكونجرس ولا قضية في الحديث كله إلا فلسطين وأهلها؟! أليس حق للأردنيين أن يتوقف دعاة الفتنة عن نفخ كيرهم في وجوهنا ونحن الذين تعاملنا مع قضية العرب الاولى بما يؤكد انها قضية الأردن الاولى؟! أليس حق للاردنيين أن يسمعوا كلمة طيبة بدلاً من تلقف فضائية الجزيرة بالونات اختبار الصحافة الاسرائيلية واعادة انتاجها بوصفها حقائق لا يأتيها الباطل لا من خلفها ولا من بين يديها؟!..
سنتكلم عما يمكث في الارض تاركين الزبد للظواهر المستحدثة.. سنتكلم عن الموقف الاردني الواضح والصريح في دعم الاشقاء.. لقد وقف الاردن جل وقت دبلوماسيته لاقناع عواصم القرار الدولي بضرورة الالتفات الى جوهر الصراع. لقد وقف الاردن كل طاقته ومصداقيته للتأكيد على ان المنطقة ستتحول الى فوهة بركان يكاد ينفجر اذا ما تأخرنا في اعادة الحقوق للانسان الفلسطيني.. وما هي الحقوق؟ انها الدولة المتصلة والعاصمة القدس والعودة وهذا الحق الاخير هو جوهر الصراع والابقاء عليه بلا حل عادل لا يعني في المحصلة الا اعادة الصراع الى مربعه الأول. هذه هي وجهة النظر الاردنية فهل هناك ابلغ من هذا الموقف وهل هناك اكثر منه وضوحاً؟.
حقا لا يعرف الشوق إلا من يكابده والشوق للعودة يعرفه الأردنيون بفعل الملازمة والمصاهرة والمؤاخاة مع اللاجئ لذلك علينا ان نمتلئ ثقة ونحن نتحدث عن الحق الفلسطيني فنحن الاولى بهذه القضية ونحن الأكثر مكابدة لافرازاتها التاريخية.