عندما وصلت الازمة السورية الى نقطة الانفراج وبدأت جميع الاطراف تتحدث عن طرق الحل ،التي تحقق وحدة سوريا ،الارض والشعب وتحفظ مؤسسات الدولة وجيشها، وتفتح الأفق امام تغيير ديموقراطي ،يحقق استقرار سوريا ويفتح امام شعبها آفاقا تساعده على رحلة اعادة اعمارها هدمته الحرب من مدن وقرى ،واعادة ترميم شبكة العلاقات الاجتماعية ،التي نسفتها 7سنوات من الاقتتال بين كل مكونات الشعب، واعادة الامل في غد أفضل لكل انسان سوري، فقد يتحقق بالحوار والتفاهم وبالسلام والتسامح، بعدما فشلت في تحقيقه الجماعات المسلحة ،الممولة والموجهة من القوى الاقليمية والدولية ،التي لم يكن في ابعد اهدافها مصلحة سوريا أو مستقبل الشعب السوري .
عندما وصلت سوريا الى هذه المرحلة من الهدوء والسلم، قام النظام الامريكي بتسليح 30ألف مقاتل من الاكراد السوريين ودخلت القوات الامريكية الى قرية منبج، لمساعدتهم وتدريبهم ومدهم بالسلاح والتمويل، كما عملت مع داعش سابقا التي اسست ايضا 30الف مقاتل لتدمير العراق وسوريا ،حيث لا مصلحة للإدارة الامريكية من الهدوء في سوريا ،ولا مصلحة لإسرائيل والدولة العنصرية الصهيونية بذلك .
قامت تركيا وبالتعاون مع الجيش الحر السوري بتنفيذ معركة في عفرين بشمال سوريا أسماها غصن الزيتون، لمهاجمة الاكراد بحجة اعادة اللاجئين السوريين لموطنهم وعددهم 3،5مليون نسمة والذين تستضيفهم تركيا .
قامت الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي بالاعتراض على ذلك على اعتبار ان تركيا عضو مؤسس في الناتو .
ترغب تركيا ايضا خنق اي كيان كردي في شمال سوريا او العراق او ايران على حدودها، لقد نسقت تركيا مع روسيا وايران الذين دعموها حتى تبتعد عن الولايات المتحدة الامريكية والغرب .
تقع منطقة عفرين في الشمال الغربي السوري وتحت المجال الجوي الروسي وذلك لاخراج الولايات المتحدة من المنطقة.
قام الجيش التركي مع الجيش الحر السوري بالاستيلاء على جبل برصايا الاستراتيجي الذي يقع في عفرين والذي يرصد مدينة اعزاز في محافظة حلب وكيليس في تركيا.
لكن هناك تناقضات أمريكية – روسية حول الموضوع، حيث لا ترغب امريكا ببقاء ايران في سوريا ، وحتى لا يكون لها منفذ على البحر المتوسط ،أما روسيا فإنها ترغب ان تبقى لوحدها سيدة الموقف في سوريا ،مع العلم ان تركيا اعلنت ان لا مطامع لها في سوريا الا توقيف الاكراد عن مهاجمة تركيا على حدودها .
من جانب آخر كيف لايزال العرب يثقون بالادارة الامريكية ،بانها ستكون عادلة ومتوازنة مع علاقاتها بإسرائيل ،لكن أمريكا التي تكيل بمكيالين ، فهي دائما الداعم الحقيقي لإسرائيل ولا يمكن ان تكون محايدة .
لقد اعلنت امريكا انها لن تترك منبج ولن تغادر سوريا وقال ذلك تيلرسون وزير خارجية امريكا في محاضرة بجامعة ستانفورد يوم 17-1-2018انهم لن يتركوا سوريا ولن يسمحوا لإيران الوصول لمياه البحر المتوسط .
لقد زار مايك بنس نائب الرئيس الامريكي كلا من مصر والاردن واسرائيل ،وجاء خطابه في الكنيست الاسرائيلي صهيونيا بامتياز وهدية للمتطرفين .
أثبت بنس ان الادارة الامريكية جزء من المشكلة وليس الحل ،فقد جاءت رسالته واضحة الى بقية دول العالم ،ان بإمكانها اختراق القانون الدولي والقرارات الدولية اذا ما تعلق الامر بإسرائيل .
قال بنس في خطابه:(أنا الآن في اسرائيل من أجل الاحتفال بالعلاقة بين البلدين ،نحن نقف سويا في المعركة ضد الارهاب الاسلامي المتطرف ،سأغادر اسرائيل وكلي ثقة بأنه مع الرئيس ترامب في البيت الابيض ومع القيادة القوية لك (نتنياهو)في اسرائيل فان افضل الايام بالنسبة للولايات المتحدة وحليفتها الغالية اسرائيل سوف تأتي )
مايك بنس هو المحرض الاول على نقل السفارة للقدس ،ويقول ان الاعتراف بالقدس جاء لتحريك عملية السلام ،واننا بدأنا بإجراءات نقل السفارة الى القدس قبل نهاية هذا العام ،وان قضية اسرائيل هي قضيتنا وسنقف دوما الى جانبها .
في نقاشه مع جلالة الملك عبدالله الثاني في الاردن حول القدس، قال اتفقنا على الا نتفق وكان ذلك في غطرسة صهيونية واضحة كونه من المسيحيين الصهيونيين الجدد .
ماذا تريد الحكومات العربية اكثر من ذلك وضوحا حيث سقطت ورقة التوت التي كانوا يخفون بها آخر قراراتهم وماذا سيقولون لشعوبهم ،لم يبق شيء يوعدون به ويتأملون من الامريكان أمام العنجهية الامريكية الصهيونية .
لا نستطيع ان نصل لشيء الا اذا اتحدت مواقفنا واوقفنا التعامل معهم وبدأنا نتعامل مع المحاور الاخرى على اساس من الاحترام المتبادل حتى يتراجعوا عن مواقفهم لانهم لن يتراجعوا طالما مصالحهم محققة وامورهم مستمرة.
يجب ان يعترف الصهاينة ومن شجعهم وتبنى أساطيرهم وساعدهم في انشاء مستعمراتهم في فلسطين ،بمسؤوليتهم عما حدث ويحدث للفلسطينيين الذين اخرجوا من وطنهم ووطن آبائهم واجدادهم ،وشردوا في البلاد تحت سمع العالم وبصره وحكم عليهم بالموت حتى وهم على قيد الحياة ،لان الحياة في معسكرات اللاجئين حياة بلا شكل ولا معنى ،لا ماض لها ولا مستقبل ولا عمل ولا أمل ،لا طفولة ولا كهولة ،لا حب ولا قرب ،لا جوار ولا صداقة ولا تقاليد ولا قوانين .
الحياة لا تكون بغير وطن يعرف فيه ماضيه ويبني مستقبله مع غيره ممن ينتمون كما ينتمي له .
ان على الصهاينة ان يعترفوا ما حدث ويحدث للفلسطينيين من دمار وقتل وسجن وتعذيب للكبار والاطفال دون هوادة او رحمة ويعترفوا ماذا قدموا للعرب جميعا .
لقد تسبب المشروع الصهيوني في ايقاف حركة النهضة في العالم العربي كله .
لقد بدأ المستعمرون الاوروبيون الباحثون عن المواد الخام الرخيصة والاسواق المفتوحة والقواعد العسكرية بوضع ايديهم على البلدان التي انفصلت عن الدولة العثمانية للاستفادة من كل امكانياتهم والسيطرة عليها ، في الوقت الذي ارادوا فيه التخلص من اليهود الذين رفضوا الاندماج في مجتمعاتهم الاوروبية ،كما كان هؤلاء اليهود يبحثون عن مستعمرة ووطن لهم ،وقد وقع اختيار الطرفين على فلسطين وأرض الميعاد كما يسميها اليهود في قصصهم الدينية .
أصدر بلفور وزير الخارجية البريطانية عام 1917وعده المشؤوم الذي يعلن فيه تعاطفه مع الاماني اليهودية في انشاء وطن قومي لهم في فلسطين ،وهو الوعد الذي تحقق بعد ان احتل البريطانيون فلسطين في نهايات الحرب العالمية الاولى وفتحوها على مصراعيها للمهاجرين الصهاينة المزودين بخطط هرتزل واموال روتشيلد .
هكذا حلت المستعمرات الدينية الصهيونية في فلسطين محل سلطنة العثمانيين .
لاتزال الدول العربية دول هشة وضعيفة ومتفرقة رغم مواردها الكبيرة البالغة2،8تريليون دولار بالسنة ،وهم يدبون الرعب في نفوس الشباب رغم انهم يقدمون الحماية ويمنعون الاعتداء عليهم ،ولا يعرف كنههم الا الشباب الذين يعيشون معهم امثال عهد التميمي ورفاقها، وان غدا لناظره قريب .
لكن ليس في مقدور السياسة ان تتخلى عن لغة الارقام ،فالسياسة التي جرى تعريفها مدرسيا على انها فن الممكن ،تحتاج الى فن الحساب كي تقيم بناءها والحساب يقضي ،والانفجارات تندلع في اقطار عربية .
حملت انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت اواخر عام 2010م مطالبة بالحرية والعدالة والكرامة ،بعد ان كانت الدراسات واستطلاع الرأي والبحوث الاجتماعية ،قد نبهت من تفشي الفساد وازدياد عدد العاطلين عن العمل وانسداد الآفاق السياسية ،وغلبة الحكم الفردي المطلق الذي انتج منظومة الاستبداد والطغيان .
بدأت الانتفاضات ربيعا وانتهت خريفا بعد ان انحرفت الثورات عن مسارها واعتلى صهوتها الانتهازيون وصيادو الفرص .
صار لسان حالة غالبية البشر المترامين من الماء الى الصحراء، ان الاستبداد مع الامن والامان خير من الحرية مع الخراب وموت الانسان، وهي معادلة لا تعبر عن الحكمة بقدر ما تفصح عن اليأس الشديد وانحطاط الامل .
أصدر المنتدى الاستراتيجي العربي تقريرا في صيف 2017يوضح بان تكلفة الربيع العربي خلال الخمس سنوات الماضية ،ان الدمار أصاب كامل البنية التحتية لأربع دول عربية هي ليبيا واليمن والعراق وسوريا ،وهو ما تصل تكلفته الى 900بليون دولار فضلا عن 640بليون دولار الخسائر السنوية في الناتج المحلي العربي و300بليون انفقت لإجهاض الثورات، وفي موازاة ذلك أثمر الربيع العربي عن 14 مليون لاجئ تبلغ كلفتهم 50بليون دولار سنويا،و8مليون نازح و4مليون قتيل وجريح .
ان الارقام النهائية مذهلة تتعدى 2تريليون دولار ،وكان بمقدور العالم العربي ان يكون وفي طليعتها الدول المنكوبة ،من اكثر الاقطار رخاء ورفاها في العالم ،ولكن ارادة الشر والظلم وغطرسة القوة وعنف الاستبداد هزمت ارادة الخير والعدل والنور .
الاصلاح ممكن دون اراقة دماء ،واذا اراد الساسة وحكام النظام العربي ان يتقدموا خطوة فيجسروا الهوة مع شعوبهم ،لا سيما قدرة تآكل تلك الشعوب على تسديد فاتورة الفساد .
في عام 2010خرجت الشعوب تطالب بالحرية والكرامة ،بعد ان اختطف الجنرالات حريتها وكبرياءها فكظمت آلامها وتحملت المهانة ،مرت 8سنوات عجاف ،جاعت فيها الكائنات البشرية ولم تعد تجد قوتها اليومي ،واذ تخرج على الناس شاهرة سيوفها فلعلمها الاكيد انها لن تخسر شيئا لأنها لا تملك شيئا.