مجلس النواب .. لا يصلح الناس فوضى لا سُراة لهم
الدكتور موسى الرحامنة
30-01-2018 10:55 PM
استمعت للقاءٍ أجرته إحدى محطات التلفزة إثر خلافٍ نشب بين نائبين، وخلاصة هذا الخلاف أن أحدهما كان في زيارةٍ الى دار رئاسة الوزراء للقاء أمين عام الرئاسة ووزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء فيما يبدو، وأثناء دخول النائب الآخر تغوَّل عليه زميله وأراد أن (يبطحه) أمام الحضور ويبدو أن الخلاف كان سببه قيام الثاني بتوجيه انتقاد حاد لأداء زملائه النواب الذين لم يتمكنوا من صُنع شيء للمواطن .
وتعقيباً على هذه الحادثة التي يندى لها الجبين، كيف يسمح نائب لنفسه أن ينزلق لهذا المستوى ويتمرجل على زميله في مبنى السلطة التنفيذية، ومن هي الجهة التي تقف وراءه ليتجرد من كل مبادئ المسؤولية الادبية والقانونية ، وتدفعني هذه الحادثة الى الحديث عن إداء هذا المجلس، وفي وقت تغولت فيه الحكومة على المواطن وكرامته ولقمة عيشه، يتوه نواب الامة في مشاجرات اشبه بتلك التي تقع مع ارباب السوابق فيتسابق المتشاجران في الحصول على تقرير طبي واللجوء الى الادعاء العام .
من المفترض ان يكون النائب أكثر وعياً وعلى قدر من الحكمة التي تؤهله ليحظى باحترام الناس، وقد ظن كثير من أعضاء هذا المجلس وغيره، أن رجولة النائب تكمن في رفع الصوت والجعجعة الفارغة ليحظى بقولة انت نشمي، ماذا صنعت الجعجعة والطعطعة سوى مزيداً من الخيبات والاخفاقات، وما علمت هذه الشاكلة من النواب أن هذه الاساليب الناقصة من شانها أن تنال من كرامة المجلس الذي هو أصلاً منقسم على نفسه في كثير من القضايا التي تمس الشأن العام وقُطب رحاه المواطن المنكوب.
قلة يسيرة من أعضاء هذا المجلس، ربما لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة من يدركون كنه العمل النيابي وماهيته، فلا خبرة لدى السواد الأعظم منهم في المجال التشريعي، ولا يجرؤون على استخدام أدوات الرقابة السياسية الممنوحة لهم بحكم كينونتهم كنواب، ولا هم ذوي باع في المسائل المالية، وقد أتضح ذلك جلياً من خلال مناقشات قانون الموازنة العامة للدولة، وفي هذا المقام فإنني أُبَرِّئ بعضاً من النواب من هذه الوصمة التي تلاحق قطاعاً عريضاً منهم، وعلى رأسهم النائب المحترم عبدالله العكايلة والذي اجد أنه في مأزق لا يُحسد عليه حين رمته اقداره بين هذه الثلة المأزومة.
من أبسط حقوقي كمواطن، أن أمارس دور الرقابة الشعبية على من عقدنا لهم لواء تمثيلنا في قبة البرلمان، وقد راينا كيف نكثوا عهودهم وخانوا امانة تمثيلنا وباعونا عند أول منعطف يسيل له لعابهم ، فلا استطاعوا أن يقفوا في وجه قرارات الحكومة الجائرة بل كانوا عوناً لها في تمريرها في سياق صفقة هم المستفيدون منها .
لقد رأينا كرامة النائب وهو يستجدي الخدمات من بعض الوزراء بطريقة مُهينة، ورأينا ذاك السباق المحموم بين النواب عبر تمرير قُصاصات الورق الى رئيس الوزراء يخطبون ودَّه من خلال تسجيل المواقف السخيفة تحت قبة البرلمان .
إن سلوكيات كثير من أعضاء مجلس النواب الحالي، وإدائهم الواهن الضعيف قد أفقد الثقة بهذا المجلس، والأنكى من ذلك، حين يطلع علينا احدهم واصفاً هذا المجلس بانه من أكثر المجالس عطاءاً واداءً، يظن أن الامر يقاس بكثرة القوانين التي يقرها المجلس، ولو كان الأمر كذلك، لكانت حكومة علي ابو الراغب من أكثر الحكومات كفاءة وأداءً في الشأن التشريعي حين أنجزت تشريعات تفوق ما أنجزه ثلاث مجالس نيابية متعاقبة .
العقدُ الذي بيننا وبينكم يا نواب الامة، هو اشبه بعقد الوكالة ومن حق الموكل أن يخلع الوكيل بالطلب من رأس الدولة عبر العرائض الشعبية، ولا أظن أن الملك سيتباطأ في اتخاذ القرار لأنه قطعاً سينحاز للصالح العام للامة .
ما نشاهده في مجلس النواب، أمرٌ يبعث على الأسى فلن يصلح الناس فوضى لا سُراة لهم ولا سُراة إذا جهّالهم سادوا، فتحوَّل المجلس الى حلبة مصارعة وكان المواطن في ذيل اهتماماته ، مع يقيني بأن هناك بعض الأعضاء من يُكنُ لهم كل الاحترام والتقدير ولكنهم لن يستطيعوا أن يُغيِّروا شيئاً لأننا نتحدث عن أغلبية مفقودة ولو بقينا نبحث عنها في هذا المجلس فلن نعثر عليها .