كلما شاهدت مسلسلا عربيا يعرض مشهد الزواج الثاني، وما يفعله من عواصف وما يثيره من نقاش وهوش، أشعر بغضب شديد بسبب تشويه الحدث وإلباسه ثوب الخطيئة، حيث يبدأ الزوج «مقترف الزواج» بالدفاع عن نفسه باعتباره ارتكب عملا إدّا، وتبدأ الزوجة الضحية بالهجوم على المجرم باعتباره متعديا على حقوقها، وكرامتها، وخائنا للعشرة والحياة المشتركة، وتظهر الزوجة هنا بصورة اللبؤة أو أنثى النمر، فيما ينزوي الزوج في ركن مهيض الجناح، أو يهيم على وجهه من سوء ما اقترفت يداه!
يقول أهل العلم إن الإسلام لم ينفرد بإباحة تعدد الزوجات، بل التوراة أباحت ذلك وهي كتاب سماوي قديم، والمسيحيون في العهد القديم كان مباحا عندهم التعدد أيضاً، فالتوراة والإنجيل لم يرد فيهما نص يحرم تعدد الزوجات.
نعم ، ورد في التلمود أنه لا يجوز للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات تشبهاً بزواج يعقوب، وبشرط القدرة على الإنفاق عليهن، وانه إذا أقسم عند زواجه الأول ألا يتزوج عليها، فلا يمكنه الزواج من ثانية إلا إذا سمحت له الأولى بعد مرور عشر سنوات من زواجها منه، تعدد الزوجات كما يقول الباحثون، لم يحرَّم في النصرانية إلا في القرون الوسطى، ويرجع التحريم إلى تأثير التقاليد اليونانية والرومانية التي قالت بوحدة الزوجة، وبعد ذلك اعتبرت أوروبا الجمع بين زوجتين جريمة يعاقب عليها القانون، كما رأينا في قانون المشرِّع الفرنسي حيث عاقب الجمع بين الزوجتين بالأشغال الشاقة المؤقتة.
أما عند الأمم من غير أتباع الأديان السماوية، فحدث ولا حرج ، حيث كان التعدد شائعاً بين الشعوب الأفريقية، والشعوب الآسيوية وعند عرب ما قبل الإسلام. أما الإسلام فقد أقرَّ التعدد كما نعرف جميعا، وإن نظرة إلى سجل السلف الصالح من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنهم الخلفاء الراشدون، ومنهم المبشرون بالجنة وكتبة الوحي، تظهر بأن التعدد هو الأصل، أما الاكتفاء بواحدة فهو النادر!
وسأكتفي هنا بمطالعة سجل الخلفاء الراشدين في هذا المجال: أبو بكر الصديق تزوج أربعا اثنتين قبل الإسلام واثنتين بعد الإسلام. عمر بن الخطاب: تزوج تسعا، عثمان بن عفان تزوج تسعا أيضا، علي ابن أبي طالب ، تزوج تسعا أيضا!
التعدد هو الأصل، والانفراد بزوجة كان شاذا، وحتى في عصرنا الحديث فالتعدد هو أصل أيضا، وبعض من لا يعدد شرعا يعدد بالحرام، خاصة في أوروبا، حيث تكثر الخيانة الزوجية، والبحث عما يشبع حاجة الرجل الفطرية خارج المؤسسة الرسمية.
قبل أن يساء فهمي وأنام هذه الليلة خارج عش الزوجية عليَّ أن أعلن أنني ليس لدي أي نية إطلاقا بممارسة التعدد على الإطلاق، فأنا بالكاد أقتنع بالزواج الأول فما بالك بالثاني؟
ولكنها حقائق غابت عن حياتنا، ومفاهيم تشوهت، ولا بد من إزالة ما علق بها طلبا للحقيقة فقط، والله على ما أقول شهيد، فليس لدي أي نوايا مبيتة بهذا الخصوص أبدا!.
بالمناسبة، تقول بعض النساء اليوم: عندما تصبحون مثل الصحابة، تزوجوا ما شئتم، وهو قول حق يراد به باطل، فالتعدد لم يشرع للصحابة فقط، كما نعلم جميعا، ولكنه الغيظ الذي يتملك النساء كلما ذكر التعدد، ويندر أن تجد امرأة «تستوعب» هذا الأمر حتى ولو كانت فقيهة!.
الدستور