يقول مصدر رسمي نقلت صحيفة "الغد" ردّ فعله على مصادرة اشرطة احتوت تسجيلا ، لمقابلة اجرتها قناة الجزيرة مع سمو الامير الحسن بن طلال، بأن المنع "سيلحق ضررا اعلاميا بالاردن، لكن الثمن السياسي على مصالح البلد كان سيكون اكبر لو سُمح ببث المقابلة، وقد وازنت الدولة بين الخسارتين الاعلامية السياسية، وقررت ان تحمل عبء اتهام الاردن بعمل، لا ينسجم مع حرية الاعلام، وهذا اسهل على مصالح البلد من التبعات السياسية لبث المقابلة".
ونقول أن هذا تبرير لا يستقيم لأي منطق، ويُظهر الأردن دولة ضعيفة ومترددة، لا تقوى على تحمل تبعات مقابلة صحافية، بغض التظر عن فحواها، أو مضامينها السياسية والفكرية، ثم أنه ليس من حق الأجهزة المعنية مراقبة المقابلة ومشاهدة الأشرطة، فهذا ليس من مهماتها ولا من صلاحياتها!
الاجراء يُعيدنا سنوات طويلة إلى الوراء، ويؤكد أن ملف الاعلام كان، ولا يزال بأيدي الأجهزة الأمنية، ويؤكد بوضوح تام أن الكلام الرسمي المتكرر عن الغاء الرقابة المسبقة على الاعلام ليس صحيحا، وأن الدولة لا تمتلك رؤية واضحة إزاء دور الاعلام، وإنها معنية فقط بتسويق واقع مفترض، لا وجود له عمليا، بدليل أن "العمل الذي لا ينسجم مع حرية الاعلام، يعتبر أسهل" بالنسبة للمصدر الرسمي، الذي يظنّ أنه أقل من الخسارة السياسية!
قناة "الجزيرة" تثير جدلا عالميا، ولها مكانة مهمة في العالم العربي تحديدا، بفضل قدرتها الدائمة على الذهاب الى المختلف والمغاير في العمل المهني، ولا يجب أن نحاكمها بالمنطق الذي نتعامل فيه مع وسائل الاعلام المحلية، حيث نصادر اشرطتها، ونمنع الصحافة من تغطية الأحداث، ونضع القوانين المقيّدة لحرية التعبير، ولعمل الصحافيين والاعلاميين، ثم نتحدّث بحماسة شديدة عن الاصلاح!
ليس صحيحا أن مراقبة اشرطة "الجزيرة" ومصادرتها لم يكلفنا موقفا سياسيا كبيرا، وأن الخسارة اقتصرت على الشق الاعلامي، فالإجراء سيساهم في تأكيد التقارير الدولية عن أوضاع الحريات في الأردن، وسيسىء الى نوايا الاصلاح، وسيضعنا في مصاف الدول المصممة على تكريس الرقابة المسبقة على الاعلام!
لم يكن من مسوّغ لما حدث، ومنع الأشرطة لن يؤدي الى "علاقات حميمة" بين قطر والسعودية، وما تبثّه القناة يوميا، يتعلق بنهجها وسياستها التحريرية، وموقفها السياسي، وهو موقف قد يثير شكوكا كثيرة، لكن المنع ليس حلاّ، ولم يكن قرارا صائبا!