قبل (14) عاما , كنت في (ليدز) المدينة البريطانية التي تسكن سهول الشمال , وقد حفظت وقتها مواعيد الباص..هناك في كل (15) دقيقة يعبر الباص المتجه إلى وسط المدينة , وأنا علي أن أكون في الجامعة عند الساعة التاسعة صباحا...هذا يعني أنه لو فاتني , الباص فسيعود من جديد...كوني كنت أغادر المنزل مبكرا.
يومها كنت اطوي الليل في القراءة..واستوقفتني قصة (الدومورو) رئيس وزراء إيطاليا الذي اغتالته (الألوية الحمراء) نهاية السبعينيات وكنت شغوفا كل ليلة بإعادة قراءة الرسائل التي بعثها للبابا والحكومة وزوجته والعالم , وحين مل من كتابة تلك الرسائل وأدرك أنه لاجدوى وما من أحد سيسمع , استسلم لقدره وتم اغتياله بطلقة في الرأس ,كانت الرسائل بليغة ومؤلمة , وكل حرف فيها تفوح منه رائحة الموت...وقد كتبها وهو في الأسر ومختطفا.
كانت تعاتبني , مدرسة اللغة الإنجليزية على تأخري..مع أنني كنت أغادر المنزل قبل ساعتين من المحاضرة , ولكن لغتي وقتها لم تكن تساعدني على أن أشرح لها كيف (أفوت) الباص الأول والثاني والثالث منتظرا على الموقف..مراقبا الألوية الشقراء , التي تأتي وتصعد الباص وتغتالني وتمضي..
مثل (الدو مورو) تماما , كنت مختطفا في ضواحي ليدز..وكل يوم تعبر الكتائب والألوية الشقراء من جانبي , تلك تسدد نظرة للقلب وتلك تسدد بابتسامتها قذيفة (ار بي جي) للصدر..وكتبت للكرك بعضا من الرسائل مستنجدا بترابها أن يعلمني الصبر..وكتبت مقالات من هناك مثل شوق البلابل للصبح..لكن أحدا لم يسمعني , والحكومة سامحها الله..تركتني رهين الإختطاف...في يد الألوية الشقراء.
صباحهم ليس كصباحنا , هنالك يأسرك الهواء البارد بلسعاته العذبة والمشكلة أن الحي الذي أقطنه , كله غزلان..كان أشبه بمحمية للمها وكنت كلما جاءت (إيفيت) أحاول أن أخبرها بالإنجليزية أنني (أخو خضرة)...ولكنها قاسية لم تفهم قلبي جيدا.
أنا اصلا لم يعد يهمني الخبز , رفعوه أو لم يرفعوه..لم تعد تهمني الأسعار...ما عاد الحرف يجدي ولا الدمع ولا الشكوى...كل ما أبحث عنه أن اختطف...سامحها الله تلك الألوية الشقراء اختطفتني عاما كاملا وكل يوم كانت تغتالني , ولكنها فكت أسري فيما بعد..وها أنا أبحث عمن يختطفني...مجرد اختطاف فقط.
الرأي