أبناء القلعة: أعيدونا إلينا
د. أسعد خليفة
28-01-2018 05:47 PM
وكما هي صرخة يا ليل أَقْبِلْ ففيك تصحو المشاعر صرخة يدوي صداها في وسط النهار من السامع بعد أن يهزَّه الطرب قادماً إليه من تلاقي الكلمة المعبرة واللحن الساحر والصوت العذب .. فكذلك هي النشوة تبلغها روحك ويطالها جسدك وترجع إليها نفسك حين تصل الذروة بعد لحظات تقضيها ترى فيها و تسمع متنقلاً بين المكان والزمان والحدث تأتيك حيثما وكيفما كنت.
أبناء القلعة الشركسي شمس الدين والشيخ نهار البدوي والفلسطيني إبراهيم والسوري والعراقي وبراعم السياسة من الأردنيين الأوائل والميكانيكي و السائق والسمسار وغيرهم الكثيرون ممن اصطفاهم زياد قاسم في الجزء الأخير من سلسلته الروائية (الزوبعة) التي من شدتها جعلت أرواحهم تنفلت من الجاذبية تنشد منقذاً لها يعيدها إلى الواقع رغم ندائها المتواصل (أعيدونا إلينا).
وليس البكاءَ على الديار ولا هو التأسّي على ما فات أو طال له الانتظار ولكنه التقدير والامتنان لكل من ظلوا متشبثين بالدّفة رغم هول الإعصار.
مسلسل أبناء القلعة الذي يبثه التلفزيون الأردني بالتزامن مع تلفزيون أبو ظبي حالياً يأخذ مكانه بكل اقتدار في سجل الشرف للمبدعين الأردنيين في الوطن وفي سماء العالم ممهوراً بأسماء لم تبرح خاطر الأردنيين يوماً فمخرج العمل إياد الخزوز ليس (أبناء القلعة) هو أول ما وصل المشاهد عبر عينه وعقله فمنذ أن عرفته في بدايات بداياته مخرجاً للبرنامج شبه الدرامي ( آل البيت ) الذي تشرفت بإنتاجه و تقديمه بشراكة إبداعية معه والباحث والكاتب د. بكر خازر المجالي والموسيقي طلال أبو الراغب لصالح التلفزيون الأردني في جزأين عامي 95 و 97 والذي لم ينقطع عن البث حتى الآن وما تبعه من العديد من البرامج المشتركة على قنوات فضائية عربية أغلبها المسابقات الثقافية العديدة على ART وفيما بعد عملنا في تأسيس إذاعة زايد في إمارة الفجيرة والاستعراضات المسرحية الفنية للعديد من المهرجانات والفعاليات العربية والمنتج الإذاعي والتلفزيوني المنوع فكذلك عرفته مبدعاً يمتلك عيناً شفافة تحدق في النص كثيراً قبل العدسة متنبئاً له وغيري تأثيراً إبداعياً مدوياً في قادم الأيام وكذلك كان.
الأهم من كل هذا وذاك هو ما عهدته في إياد بعد ذلك وهو النموذج الذي تربى وسار عليه الكثيرون من الأردنيين ممن حققوا النجاح في مجالاتهم علمية كانت أم أدبية أم فنية وغيرها ألا وهو الوفاء للوطن وحمله معهم حيثما حلوا من العالم دون أن تفتر حرارة الانتماء أو ترتخي قبضة الولاء إليه والعودة بالرصيد الأكبر من الخبرة والقدرة على العمل وإيداعه في خزانة الذاكرة الجميلة للوطن .. يسجل لكاتب الرواية زياد قاسم وكاتبها للتلفزيون محمد البطوش وضابط إيقاعها الموسيقي المبدع ياسر فهمي ومخرج العمل إياد الخزوز وكل السواعد والعقول والوجوه التي شاركت في إنتاج هذا العمل ولتلفزيوننا الأردني ومؤسسة أبو ظبي للإعلام ولكل من أعادوا أبناء القلعة إليهم وإلينا هذا المنجز.
ونشد على كل الأيدي التي تعيد مبدعينا إلى عرين الدراما الأردنية الذي وإن توارت عنه الأعين أحياناً فإن أهله لم يبرحوه يوما من الأيام.
و ينظر بعين الرضا والامتنان إلى كل من يوجه جهده لإعادة الروح لكل شخوص الروايات الأردنية التي حمَّلها كتابها اللون البهي والرائحة الزكية لهذا الوطن ومن تنسَّم عليل هوائه وتجرَّع نقي مائه صاحب الحق على كل من يحملون حبه أن يجعلوا غيرهم يحبه بما وهبهم الله من أدوات يستطيعون بها أن ينقلوا إلى الآخر حبَّه و أن يعيدوا الحياة إلى هذه الشخوص الهائمة في فضاء الأمل والتي أيقظت ذات ليلة من الليالي ركس بن زائد العزيزي وغالب هلسا و منيف ومؤنس الرزّاز وسميحه خريس و جمال ناجي و إبراهيم نصرالله من غفواتهم مختارين أو مجبرين وكذلك فعلت مع ليلى الأطرش و مفلح العدوان و يحيى القيسي وجلال برجس والثلة من الصحب أبناء القلم والكَلِم فيقلقهم التحديق ملياً في الماضي و يتقاذفهم الشد قوياً إلى المستقبل ويلقي بهم التثبيت أبياً في الحاضر ليدونوا كل تفاصيل حياة وفعل وطموح الأردنيين و التحية لشركائهم ممن تعرفهم المهرجانات والمحافل العربية والدولية وتعرِّفهم بصائدي الجوائز في شتى فئات الإبداع.
فنحن وإياكم. مسكونون بالأمل. محكومون بالعمل