* كان أمراً إيجابياً ما تضمنه التقرير الختامي (لمؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس) بنداءٍ للعالم الإسلامي أن يكون عام (2018) – عام القدس- بهدف إبقاء القضية حيّة على الساحة السياسية والثقافية والإعلامية... على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، وبهدف تذكير الأمة (بشد الرحال) إلى (الأقصى المبارك، ودعم المقدسيين المرابطين المدافعين عنه بصمودهم فالمؤسسات المجتمعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبخاصة الأكاديمية / التربوية، مدعوة أكثر من أي وقت مضى لإقامة الندوات وعقد المؤتمرات وتفعيل الدور الإعلامي بمختلف إشكاله، وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي... لإبراز قضية القدس والتعريف بالمستجدات المتعلقة بها، وبالمسجد الأقصى المبارك، والمقدسات الدينية، الإسلامية والمسيحية، ومن الأهمية أن تكون تلك الفعاليات بأساليب جديدة وتقنية وبمنهجية علمية، ذلك أن حشد موارد الأمة، البشرية والمادية والتقنية وبإطار فكري موضوعي، وتوجيهها نحو تلك الأهداف تتطلبه طبيعة المعركة مع الصهيونية وأشياعها.
* لم تكن القدس عبر تاريخها العربي-الإسلامي موضع اختلاف لدى الأمة العربية- الإسلامية، فكانت عامل توحيد ووحدة واتفاق كلما تعرضت لمحنة، غزوا أو احتلالاً أو عدوانا، وكانت في قمة أولويات الأمة، في أزمات الحرب أو السلم.... ولكنها اليوم تفتقد هذه الميزة، وأخذت عوامل الفرقة تحفر في عمقها وجوهرها، بدلاً من توحيد الجهود وتوجيهها في مواجهة العدو الواحد والمشترك، الاحتلال الصهيوني، فأي خلاف أو اختلاف حول أي أمر يتعلق بالقدس والمقدسات الدينية قبل إنقاذها... لا جدوى له... ولا أظن أن أحداً يختلف على ذلك.
* لقد شهد العالم في الأيام الأخيرة منتدى اقتصادياً عالمياً، مؤتمر دافوس، والذي يعتبر منبراً مفتوحاً للقضايا العالمية والإنسانية، بحضور أكبر عدد من رؤساء الدول في العالم، وقادة الرأي والفكر، الذي يناقشون قضايا التنمية البشرية والتنمية المستدامة، وما يتعلق بها من نشر، مبادئ الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وقضايا التضامن العالمي لنصرة الشعوب، وبخاصة التي تعاني الاحتلال والاضطهاد في القرن الحادي والعشرين، عصر العولمة.
* ومن أبرز تلك القضايا، كانت قضية القدس التي تمثل جوهر القضية الفلسطينية ومحورها، والمدينة التي كانت عبر تاريخها العربي – الإسلامي موئل التعايش بين الأديان، والتسامح الإنساني، والإشعاع الروحي للإنسانية، والتي أصبحت تعيش في جو الإرهاب الصهيوني- الاستيطاني، ومصادرة حقوق سكانها الأصليين، مسلمين ومسيحيين، في تعايش سلمي حضاري...
أن متابعة هذه القضية ... لدى فعاليات (مؤتمر دافوس) تبين شدة محنة هذه القضية، التي اقتصر دور الأمة فيها على الصوت الأردني الهاشمي والفلسطيني.... وكان هناك التآلف الإسرائيلي- الصهيوني متمثلاً بالثنائي (ترامب ونتنياهو):
فالأول، نتنياهو أشاد بقرار (ترامب) واعتبره قراراً تاريخياً، بينما ذهب (ترامب) إلى التأكيد له أنه بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بنموذج مصغر وعاجل قد أزاح قضية القدس من أجندة المفاوضات.
*أما الجانب الفلسطيني فقد أعتبر تصريحات (ترامب) أهانه للعرب، المسلمين والمسيحيين، وأسلوباً من الابتزاز السياسي، وخروجاً عن الإجماع الدولي في اعتماد (حل الدولتيْن) والذي أقرته اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة).
*وكان موقف جلالة الملك عبدالله الثاني يعبر عن جوهر القضية، مفتاح السلام، والعزيزة على جميع المسلمين والمسيحيين، فالقدس في الحقيقة والواقع هي جزء من حل شامل للنزاع العربي- الإسرائيلي، وبخلاف ذلك، ستظل بؤرة التوتر في المنطقة، وعاملاً للنزاع المتواصل وخلق العداء والعنف بدرجة لا مثيل لها.
أما قرار (ترامب) فقد عمق حالة الإحباط لدى الشعب العربي الفلسطيني، وأصبح الموقف الأمريكي (رأس الحربة) بدلاً من أن يكون (راعي التسوية) فالقدس: أما أن تكون عاملاً للتفرقة بين الشعوب في المنطقة، وهو أمر كارثي للإنسانية، أو أن تكون مدينة الأمل والسلام، وتحقيق التعايش والتسامح بين الأديان السماوية.