facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




نحن الاردنيون


د. عدنان سعد الزعبي
28-01-2018 10:20 AM

علي ابن الجهم شاعر بدوي عايش الصحراء وبيئتها وانتهل منها ثقافته فأثرت في وجدانه وكلماته ووصفه وتفكيره ، لدرجة انه دخل على المتوكل وهو ينشده

أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الطبول

وانت كالدلو لا عدمناك دلوا من كبار الدلال كثير الذنوب

فلم نجد المتوكل إلا وقد ابتسم ، وأمر له بقصر على الفرات وافر الظلال كثير النعم ، وجعل من ابناء المدينة وتجارها وأدبائها يجالسونه يوميا ، حتى جاءت الستة شهور ونيف ، وإذا بابن الجهم ينشد المتوكل في قصره ليقول
عيون المها بين الرصافة والجسر سلوت وقد زادت جمرا على جمر

ضحك الخليفة المتوكل : "الم اقل لكم إن الإنسان وليدة بيئته علمناه فتغير ، اخاف اذا استمر حال ابن الجهم هكذا أن يذوب رقة ولطافة وهو ابن البادية التي تربى على خشونتها ".

هكذا فعل المتوكل الحاكم والخليفة ، قدر واقع الرجل وبيئته ، واستبدلها له فبدل وغير ، فعرف أن الرجل وليد بيئته وأن ثقافتها تفرض عليه سلطانها فلكل كلمة معناها ، ولها دلالاتها ولا يجوز أن تحمل في غير سياقها ، و المعنى يكمن في ذهن القائل وما قصده حيث من المفروض أن يكون المعنى إيجابي والتصوير إيجابي رغم خشونة الكلمات وانتهاء زمانها .

غير أن الحقيقة تكمن في التوقيت الخاطئ للحديث واستخدام موضوعات تستجر اصحابها للتلفظ بعبارات لا تليق بمستوى الفكر والثقافة الشعبية والوطنية والسياسية ، خاصة توحيد وصف العامة وتشبيهه أسوء التشبيه ، وفي وقت يشعر فيه المواطن حقيقة أنه مهمش ومستهدف ولا قيمة له؟! ، وأن التلاعب بحاضره ومستقبله بلغ أوجه ،حيث لا شأنه بكل القرارات التي تتعلق به. ليأتي رجل كان رجل دولة من الطراز الرفيع ويلخص الحال بتشبيه انطبق على واقع الحال رغم عدم قصد هذا الرجل الذي جاء من بيئة بدوية محضة . ، المشكلة أن معدي البرامج التلفزيونية يجب أن يدركوا واقع وطبيعة الشخص المستضافة ولغته الحوارية والمخرجات التي سيدور في فلكها في أي مقابلة لكن الواضح اننا ما زلنا نبحث عن الشخصيات التي ملها الناس وتعب من كثرة ما يشاهدها في البرامج كافة ، فالبرنامج بدل أن يكون ملكا للناس ورغباتهم اصبح ملكا لمعد البرنامج ومصالحه وفلسفته.

لا نستحق من رجل دولة أن يصف مجتمعنا السياسي المثقف المعاني الصبور بهذا الوصف وأن نصغر إلى مثل هذا المستوى . فنحن لا نجر ونستذل لشبابة، ولم نكن في يوم من الأيام إلا رجال حملوا مسؤوليات جسام لا يقدر عليها إلا الجبابرة، صمدنا وتحملنا ومضينا ببلادنا إلى شاطئ الأمان بعدما صدقنا العهد ووفينا بالوعد وكنا أردنيين حتى النخاع رغم كل الظروف والخطوب التي حلت بنا، قدوتنا قيادتنا الهاشمية؟ لا نستحق من التلفزيون الأردني ، ولا من ضيف و معدي البرنامج أن يصل الأمر إلى هذا المبتغى ، فعصر النحو والصرف وابن الجهم قد ولى ونحن الأن في عصر النت والتويتر والفيس بك ، فلا يجوز أن نخلط بين الإثنين وإلا اصبنا بانفصام الشخصية . خاصة وان المواطن الأردني يتطلع لمن يسنده، لمن يدعمه، لمن يعيد له بريق الأمل والثقة بالنفس ، لنجد من يؤكد وبصريح العبارة أننا منقادون ورعية تقودنا شبابة النواب والحكومات ، فننقاد كما وصف ضيف البرنامج كالأغنام .

خطأ كبير يمكن أن لا يكون مقصودا ،غير أنه فجر الدمل ، وأخرج الصديد المتقيح، وعكس واقع نعايشه وندركه ونعاني منه دون أن يكون لنا به كلمة ، موقف يتطلب الآن مراجعة حقيقية لمضامين وسائلنا الإعلامية وتعزيز البرامج المستهدفة التي تعيد الثقة للمواطن . وتترجم سلوكيات الحكومة والنواب إلى اطار المصلحة الوطنية ومستقبل الوطن بعد أن اهتزت وتهشمت.

فدرجة التأزم المكبوتة في عقول وقلوب الناس لا ينقصها هذا الوصف المشين ، والأفكار القديمة والدلالات التي مضى علها الدهر . الواضح أننا بحاجة إلى إعادة فك وتركيب وتقييم الذات بأفكارها ومسيرتها ، فذلك هو الأمل الوحيد الذي سيمكننا كشعب من الاستمرار والبقاء وتخطي التحديات .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :