بعد تسلم الرئيس الامريكي الجديد ، باراك حسين ، مهامه كرئيس للولايات المتحدة الامريكية ، بدأت اطراف عربية عديدة ، التغزل بمزايا امريكا الجديدة ، وكأن امريكا اليوم مختلفة جدا عن امريكا الامس ، وكانها تخلت عن ثوابتها الابدية ، التي تجعل امن اسرائيل في قمة اولوياتها ، حتى لو اضطرت الى التضحية بامن الاخرين ، فاسرائيل كما تم تلقيننا منذ نعومة اظفارنا ، من الثوريين والرافضين العرب ، هي ربيبة الولايات المتحدة ، وقال البعض انها ولاية امريكية ، وذهب اخرون الى القول انها هي من تقود الولايات المتحدة .
فما الذي تغير بموقف الولايات المتحدة ، حتى يغير الرافضون العرب موقفهم منها ، وبدأوا يحجون اليها ، وبتغزلون بها وبرئيسها الديمقراطي ؟ هل اقتنع الرئيس الامريكي ان فلسطين ، من النهر الى البحر ، هي وقف اسلامي ؟ وان اسرائيل يجب ان تزول عن الخارطة ؟ ام ان العكس هو الصحيح ، وان أي تقارب امريكي مع الرافضين العرب ، على مختلف انتماءاتهم ، لن يتم الا بتغير مواقفهم من اسرائيل ، أي الاعتراف بوجودها كدولة شرق اوسطية ؟
لقد كان الاعتراف باسرائيل ، وضرورة التعايش معها بسلام ضمن حل الدولتين ، هو نقطة الخلاف الرئيسية بين المعتدلين والرافضين العرب ، على مدى ستين عاما من الصراع ، ولا اعتقد هناك خلافا جوهريا اخر ، فالسلام هو الهدف النهائي للطرفين ، لكنه للمعتدلين العرب ، يتحقق مع وجود اسرائيل كدولة معترف بها ، بعد اعترافها بحقوق الشعب العربي الفلسطيني ، في انشاء دولته على ارض فلسطين ، وبعد انسحابها من جميع الاراضي التي احتلتها ، بعد حزيران 1967 ، وعودة او حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ، اما الرافضون العرب ، فلن يتحقق السلام عندهم الا بعد تحرير فلسطين ، وكانت هذه النقطة ، هي لب الخلافات العربية العربية ، وهي المبرر لكل التصنيفات التي قسمت الدول العربية ، الى رجعية وثورية ، ممانعة ومستسلمة ، وهي التي خلقت مصطلحات ازدهرت في ارض العرب فقط ، مثل الخيانة والعمالة والاستسلام ، وصنف كل حاكم من حكام العرب ضمن احدى هاتين الفئتين ، وحدثت انقلابات ، وجرت اغتيالات ل "خونة وعملاء" بناءا على هذا التصنيف ، واليوم والرافضون يتهيأون للعودة عن رفضهم ، ليقبلوا بما قبل به المعتدلون ، فهل سيعتذرون لكل من كان ضحية تصنيفانهم ؟
نسوق هذه الكلمات ، ونحن نشهد تسابقا من الاسلاميين العرب ، لمغازلة امريكا ، تحت حجة واهية ، وهي تغير محتمل في سياسة الولايات المتحدة ، في ظل ادارتها الجديدة ، او الايهام بان هذا التعامل هو مع مؤسسات المحتمع المدني ومع الشعب الامريكي ، رغم اعتراف البعض باللقاء مع مسؤولين حكوميين ، وجميع هذه المبررات لا تقنع احدا ، فقد خاطب المعتدلون العرب قبلهم هذه الفئات ، وكسب تعاطفها مع القضية العربية ، لكن المشكلة كانت دائما ، مع الادارات الامريكية المتعاقبة ، التي كانت تناصر اسرائيل ظالمة ومظلومة ، تقف معها في مجازرها ، وتساندها بالمال والسلاح ، وتنتصر لها في الامم المتحدة بالفيتو ، رغم كل ما قدمه العرب من تنازلات ، واعتراف باسرائيل واقامة العلاقات معها .
قبل اسابيع ، كان هناك وفد من النواب الامريكيين في غزة ، تسلموا رسالة سلام من قادة حماس ، واليوم يزورها الدكتور رحيل غرايبة ، نائب الامين العام لجبهة العمل الاسلامي ، يلتقي مع مسؤولين من مختلف المستويات ، ومن هناك يطلق تصريحا يطالب بالملكية الدستورية في الاردن ، وكأن واشنطن هي رمز الحرية والديمقراطية ، وهم الذين عبروا دائما ، عن رفضهم للاصلاحات السياسية التي تمليها امريكا على المنطقة ، فلماذا اطلاق مثل هذا التصريح من امريكا ؟ هل هي رسالة غير مباشرة بان امريكا تقف مع هذا المطلب ؟ هل كتم الاردن انفاسكم حتى لا تطلقوا مثل هذه الكلمات داخل الاردن ؟ الم يقل احد اقطابكم سابقا بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية ، ومن عمان ، انكم جاهزون لتشكيل حكومة في الاردن ؟ هل غيرتم رأيكم بامريكا ، واقتنعتم انه لا ديمقراطية حقيقية من دونها ، فصرتم تستقوون بها على اهل بلدكم ؟ خاصة ان حماس ، لم تكن لتشارك بالانتخابات التي فازت بها ، لولا الدعم الامريكي للديمقراطية الفلسطينية ، ومن يضمن ان امريكا سوف تتعامل معكم ، وتقبل بنتائج صندوق الانتخابات ، ما دامت رفضت ذلك فلسطينيا ، اللهم الا اذا قررتم التغيير وفق الرغبات الامريكية ، انسجاما مع ادارة التغيير لدى الادارة الامريكية الجديدة ، والاستفادة من خطأ حماس ، الذي تحاول اصلاحه الان بالتقرب لامريكا ، وما هو مصير شعاراتكم على مدار عشرات السنين ، والتي صمت آذاننا من كثرة سماعها ؟
m_nasrawin@yahoo.com