فشل الليبراليين
النائب الاسبق م.سليم البطاينة
27-01-2018 06:39 PM
كان الظهور الاول للتيار الليبرالي العربي ( التنويري ) في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على أيدي جيلين من المفكرين العرب في ذلك الوقت، فجيل مثله جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعَبد الرحمن الكواكبي وفرح انطون وغيرهم ،وجيل اخر كان مع بدايات القرن العشرين ومن ابرزهم طه حسين وقاسم أمين وتوفيق الحكيم ومحمد حسن الزيات ، وجميع هؤلاء جمعهم تيار فكري وسياسي واحد ، وعلى عكس ما حصل بأوروبا والغرب بشكل عام فقد تعمقت الأيدلوجية الليبرالية خلال القرنين الماضيين وعبر مسيرتها فقد ولدت من رحم الحداثة والتي بالأصل ولدت من رحم الثورتين الفرنسية والأمريكية ، وبات الاختلاف فيما بينهما في الاليات والاستراتيجيات ، فالليبرالية القديمة اختلفت في وسائلها وأدواتها وبأسسها الأربع ( العلمانية والعقلانية والفردية والنفعية ) بحيث ارتبطت الليبرالية القديمة بأوروبا وفلاسفتها ومفكريها ، بينما الليبرالية الجديدة كان ارتباطها بأمريكا ، وكان القاسم المشترك فيما بينهم الدعوة للانفتاح والتطور والحداثة والتجديد ، وبشكل عام كانت علمانية التوجه وطنية الانتماء ٠
مجموعة من المفكرين والباحثين والكتاب عرباً واجانب تناولوا موضوع لليبرالية ( القديمة والجديدة ) بشكل موسع ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر الكاتب والباحث السعودي ( احمد عبد العزيز القايدي ) بكتابه ( الليبراليون الجدد) وايضاً الكاتبة السعودية الدكتورة ( مضاوي البسام ) وكتابها ( قضايا المرأة في الفكر الليبرالي العربي المعاصر) والذي بينت فيه ومن خلاله تصاعد التمويل الأجنبي للتيار الليبرالي العربي والدعم المقدم لهم من الغرب بشكل عام ، واتخاذهم قاعدة لانطلاق وتنفيذ سياساتهم بالمنطقة، فالليبراليون العرب شعاراتهم غامضة وليس لديهم موانع بالقفز فوق قيم العدالة في توزيع الثروة والسلطة والجاه ، ولا يؤمنون بدولة الرعاية الاجتماعية في التعليم والصحة والاسكان والبطالة، ويعملون على تقليص امتيازات الطبقة المحافظة والتي طالما دعت تلك الطبقة للمحافظة على ثوابت الأمة وأعرافها وحماية المجتمع من الداخل ، ومقال تم نشره بجريدة ( النيوز ويك الامريكية ) لمدير معهد الدراسات الدولية الاستراتيجية الامريكية ( John .B.Alterman ) والمحاضر بجامعة هارفرد الامريكية بعنوان ( اللبراليون الجدد عملاء تحت الطلب ) ٠
فالاستعمار تسبب في تفكيك المجتمعات العربية وأنتج الليبرالية العربية بشكلها الغربي وقام بحمايتها بطرق مختلفة من اجل تحقيق مصالحه ، فالمتمعن في قراءة الفكر الليبرالي من عمق الفكر الأوربي وحتى وقت انتشاره بالوطن العربي يعرف جيداً ان هنالك قوة في ترابط الفرع بالأصل ، فالأسس والقواعد لديهم تتركز في المادية والفردية والحريّة المطلقة ؟؟؟ ويحاولون تغير الأفكار وتجاوز الهوية ومسح ملامح ثقافتنا والاندماج في الفكر العولمي، وعلينا الانتباه الى علاقة التزاوج والتحالف بين نظرياتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية في ترويض الأمة ؟ فالليبراليون لا يمثلون أمل المستقبل في وطننا العربي بل يمثلون افكاراً غابرة.
نهجاً نيولبرالي اردني مورس علينا في الاقتصاد والاجتماع عانينا منه لسنوات طويلة وكان ذلك النهج أشبه بأفكار المفكر الليبرالي الفرنسي ( لاشييه) وهو الانفلات المطلق بإفساد المجتمع وإخضاع الاعلام والكتاب تحت النقد العميق والتفكيك الدقيق ، وكان منفذهم الى المجتمع هو وسائل الاعلام والسيطرة عليها ، وباتوا ينادون بالحداثة لكنهم بالأصل يمارسون الاقصاء والتهميش والانتقاء المنظم ومحاربة التيار المحافظ بشتى الطرق ، فالليبراليون يجمعهم قواسم مشتركة فيما بينهم وهي ( مستوى التعليم الجيد والتحدث باللغة الانجليزية بطلاقة وأحياناً الفرنسية ) فالساسة في الغرب يجدون الراحة بالتعامل معهم ، فهم أشبه ما يكونوا على شكل شريحة اقتصادية دون وجود لخطاب سياسي أو ثقافي لديهم، فاليوم نرى نهايتهم وفشلهم في تحقيق وعودهم من خلال طروحاتهم بالإصلاحات الاقتصادية وقيام دولة الرفاهية الاجتماعية ، فالذي نراه امام اعيننا جميعاً هو انسحاب الدولة من الاقتصاد وممارسة السياسة دون إصلاح ،فالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية تتراجع ودولة الرعاية الاجتماعية تختفي شيئا فشيئا من خلال تخليها عن المواطن وعن مسؤولياتها الاجتماعية ومن خلال متطلبات الاقتصاد المفتوح.