تأسست الإدارة الأردنية منذ عهد الإمارة على عدد من القيم تروي عنها الوثائق، إذ تقول إحداها أن المفتش التربوي صياح الروسان وخلال رحلته للتفتيش على مدرسة الكرك عام 1937م ، منعته الحالة الجوية والثلوج من العودة إلى أهله، واستخدم هاتف المدرسة لإبلاغهم، أنه لن يتمكن من العودة إثر هذه الحالة.
وتتابع الوثيقة: أن الروسان وبعد عودته إلى عمان طلب من مدير المعارف خصم قيمة المكالمة التي أجراها من هاتف المدرسة، حيث طلب خصم 200 مليم من راتبه، مبرراً ذلك أنه أجرى مكالمة شخصية، برغم أنه كان في رحلة عمل، ووافق مدير المعارف على طلبه.
لربما هذا الدرس في الإدارة العامة الأردنية، ينبأ عن "عبقرية" المؤسسين الأوائل في مقدرتهم، على تأسيس إداراتٍ تتحلى بقيمٍ استطاعت أن تصون الدولة وتجعل منها قادرة على بناء الإنسان والعمران.
وهذا الدرس النموذجي في الإدارة هو ما مكن الأردنيين من أن يكونوا رواداً في تأسيس الكثير من الإدارات العامة لدول الجوار في الخليج العربي.
وأمثال صياح الروسان في الذاكرة الأردنية كثر فمنهم ذوقان الهنداوي وعبدالحميد شرف ووصفي التل وهزاع المجالي وحسني فريز وديب وهبة فأمثال هؤلاء وغيرهم نجحوا في أن يكون للأردن مدرسة وهوية في الإدارة العامة الناجحة. فكثير من هذه الأطر إما تكون قد بهتت أو وهنت نتيجة لقرارات جاءت على عجل، أو لإسناد إداراتها إلى شخوص غير مؤهلين، فقصرت عن أداء دورها وزادت شكوى الناس منها، ونحن هنا لسنا في مقام طرح الأمثلة فهي كثيرة!
فالدولة في أحد مفاهيمها تحمل عنوان الإدارة للمجتمع، وأحياناً بتنا نلحظ أن سلوك بعض الإداريين على اختلاف رتبهم ومواقعهم أقصر الطرق نتيجة لقلة خبرتهم ودرايتهم بما هو متاح وما هو ممكن، بما يعني الحاجة إلى تطوير القطاع العام ضمن رؤية تأخذ بعين الاعتبار معايير أوضح مما هو معمول به حالياً في كثير من وزاراتنا ودوائرنا ومؤسساتنا العامة، فلماذا غابت نماذج الإدارة العامة عن مناهجنا ومعاهدنا الإدارية؟
وبرغم ذلك فما زال لليوم لدينا رصيد من المدرسة الإدارية بوجهها الأردني تتمثل في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، المؤسسة الأولى، التي لها أدوار كبيرة لجانب دورها في حماية الوطن، في الصحة والتعليم والإعلام وغيرها من المجالات.