"تأييس الآيسات عن ليس" مقولة فلسفية تحكي القصص الكثيرة والمعبرة عن منهج الله في خلق هذا الكون الرائع ، بما فيه من إبداعات ظاهرة وباطنة ، لأن الله عندما خلق هذا الكون ؛ خلقه دون وجود لزمان أو مادة ، فكان أمره بين حرفين حتى صار جميلا ودقيقا كما نراه ونستمتع بدقة خلقه ؛ عندها أصبح خلق الله خلقا وليس صنعا ، ومن هنا انطلق أمره في الإبداع الكوني ، فشاهدنا كوناً مليئاً بالزخارف التي تعكس إبداعات تلو إبداعات ؛ أخذت طابعا جماليا خلابا بعيدا عن تدخل أطراف خارجية ، وزخارف تجميلية صنعت بأيد بارعة وباستخدام مواد هشة ملموسة.
وبما أننا متفقون على أن الإبداع الحقيقي نابع من عدم وجود الزمان والمادة -كما قال الفيلسوف الكندي- فإن ذلك يشدني للقول بأننا نعيش اليوم في تاريخ فرض علينا كسائر ما فرض في التاريخ السياسي ؛ والذي صنع من زمان مليء بأحكام تعسفية لا تمت لسيرتنا الشامخة بصلة ، ومادة هشة لا نستطيع من خلالها خلق فرص ذهبية ترتقي بنا لمستقبل مشرق ، فبتنا مجبرين على القول بأننا تقوقعنا في مرحلة الصنع ولم نلق بالاً للقدرة الربانية التي ألهمنا إياها الخالق لتجاوز هذه المرحلة والوصول إلى مرحلة خلق الفرص الذهبية والتي أتيحت لنا بأكثر من طريقة منطقية تجلب المنفعة الدائمة لمستقبل سياسي زاهر يحكي للتاريخ أمجاداً ؛ حتى ولو كانت تلك الفرص ركلة أولى في رحلة الألف ميل التي تبدأ دائما بخطوة واحدة.
فإذا أردنا التحدث عن الواقع المرير الذي نعيش ؛ سنجده خليطا من محسوبيات وفرص ذهبية فرضها علينا الباطل ، دون الرجوع إلى أي منطق يذكر ، فأصبحت إداراتنا تشكل وتبنى على معادلة وراثية إلى حد ما ، أو بإسهام فرص ذهبية سمحت بمأسسة فكر إداري واجتماعي يكون في بعض الأحيان نابعاً من عين لا ماء فيها ، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من ضحالة في النتائج ، وبعدا عن الآفاق التي تصنع حضارات الأمم الراقية.
إن مقولة كمثل هذه المقولة الفلسفية ؛ هو ما يشعرني بأن هناك مستوى آخر يجب علينا أن نرتقي إليه في الإبداع الفكري والإداري والسياسي والاجتماعي واختيار مضمونه ومبدعيه ، وان شيئا ما يجب علينا أن نتعلمه كل يوم من خلال اختيار أفضل المحسوس للشيء الملموس ، وان هناك معارف تتدفق كل ساعة ؛ علينا أن نلتهم ما نستطيع منها لزيادة الإنتاجية واكتساب الخبرات الجديدة والانفتاح على الآفاق الواسعة ، مما سيثري تجربتنا ويرتقي بمجتمعاتنا وبالتالي ستكبر إنجازاتنا ، وعلينا جميعا أن نقاوم ونجاهد في جعل الأردن الصامد جبهة أردنية موحدة تحمل بين جبهاتها أجمل معاني الفداء الوطني وروح المثابرة لجعل بلدنا أجمل وأرقى ، دون أن نلجأ لصناعة الزخارف التجميلية من مواد هشة لم تلصق في مكانها الصحيح.
خلاصة القول : إننا لكي نتمكن من الارتقاء إلى مستوى الحضارات العالمية الخالدة ؛ يتحتم علينا أن نعي ما أشارت إليه تلك المقولة الفلسفية بخلق الفرص الذهبية المقبلة ؛ من خلال أشخاص جدد لديهم طاقات مختزلة من وطنية صادقة وهمم عالية ؛ من الذين يصنعون المجد ولا يجترونه فقط دونما إبداع ، علنا نصل إلى الارتقاء الحضاري في إيجاد الموجودات وإنجاز المنجزات ؛ لا نقول من العدم ، ولكننا لسنا مضطرين أن نبقى غارقين في إيجاد الموجودات من الموجود.
www.waleed-aabu.com