في بلادنا تستطيع شراء أي شيء ، فالذي يملك المال مدلل عند السلطة ، تستطيع يا صديقي أن تشتري جنسية وجواز سفر ، ففي عقلية الاستثمار أن تحضر نقودك وتتقدم الصفوف وتفتح لك الأبواب ، تستطيع يا صديقي شراء أي شيء ، فالبيع عنوان المرحلة ... والأرقام تختصر العناوين ، فالمواطن هو رقم في طلب المنح والمساعدات ، والمواطن هو رقم "بريزة" في عين سائق باص "الكوستر" ، والمواطن هو رقم "عميل " عند موظفة البنك المبتسمة ، والمواطن هو رقم يأتي ويذهب فلا أهمية للأسماء ...
لا ألوم من اشترى لوحة سيارة بنصف مليون دينار ، فصاحب المال هو ملك بماله ، ولكن نحن في بلد متعبة ، أتعبتها الديون ، وأتعبتها الحكومات ، والناس في ضيق ، والفقر يلاحقهم ، أما كان أولى لو ذهب بعض هذا المال لمساعدة الناس .
هل تعلم يا من اشتريت "الثلاث سبعات" أن هناك من يعسرهم دفع أجرة البيت آخر الشهر ، وأن من هناك من دخلن السجن لأجل قرض مئة دينار .. وأن هناك طلاب جامعات يؤجلون دراستهم للعمل ليصرفوا على أهلهم ويؤمنون رسوم الدراسة .. لا نحسدك ولا نزاحمك في مالك ولكن لو مددت يدك لهم بثمن "سبعة واحدة " لكان لك باب خير في دفع مذلة بعض الناس .. فأبواب الخير مفتوحة والناس في ضيق والفرج قد يأتي على يديك ... والحكومات تلاحق الناس وتجلدهم برفع الأسعار ..
يا ترى في بلادنا كم يبلغ ثمن أحلام الشباب ، كم يبلغ ثمن تعب الآباء والأمهات وهم يلقطون رزقهم ويطعمون أفواه الأبناء ، وقد يعسرهم مصروفهم في الصباح وهم ذاهبون للمدارس ... كم يبلغ ثمن أحلام العسكر ... يتزوج بالدين ويؤثث البيت في الدين ، ويشتري "كيا سيفيا " بالدين .. كم يبلغ ثمن أحلام الصبايا .. أحلامنا بسيطة وثمنها مستحيل ..
لكن لا عليك يا صديقي ، الأرقام وبيعها عنوان المرحلة ، حكومات تبيع الوهم للناس ، وتصنع مشاريعا على الورق والبرزنتيشن وفي قاعات الفنادق ، حكومات لا تخجل من تشجيع الفقر وتأصيل ثقافة "الدعم الحكومي " ، والاستجداء الذليل للمواطن ، وترسيخ سياسة الدفع والبيع ، كل شيء مباح للبيع المهم أن نحصل على المال ، تتاجر بوجع الناس ورفع الضرائب على الدواء والخبز والقبور ... تصنع قوانينا للانتخابات تفرز نوابا يشجعون الناس على بيع أصواتهم، نوابا بدلا من الدفاع عن الناس يستجدون الحكومات ..حتى الوجدان لو استطاعوا بيعه لباعوه ...
بيع أرقام اللوحات و"الثلاث سبعات" وربما "السبع سبعات" يعبر عن حالة الثراء الفاحش وكيف يوجه المال نحو السخف والخواء، بالمقابل يترك الفقراء يصارعون الحياة فرادى على وقع الدعم الحكومي ، والقبول بواقع الحال ما دامت الناس مشغولة برزقها، وانتظار الفرج أصبح ليس دعوة وإنما يأسا ومستحيلا .
حمى الله الوطن المبتلى