-1-
ما أصعب أن تكون أنثى وسط ذكور، أو ذكرا وسط الإناث!
هكذا تبدأ سرد روايتها لسلسلة من «المتاعب» الدرامية التي تطحن أعصابها في مكان عملها، فمن لا يريد الزواج منها، يريد أن ينشىء علاقة ما، يغلفها بداية بطابع إنساني، كأن يكون «أبا روحيا!» أو «صدرا حنونا» أو حتى «مستشارا نفسيا!» وصولا إلى ما يشبع جوعه الداخلي للسياحة الآثمة، ومنهم من لا يتقن اللعب على الحبال، ومداراة طبعه الخشن، فيبدأ بالتحرش السريع بلا قفازات ناعمة، إما لقلة «خبرته» بالإيقاع بالضحايا، أو لأسباب أخرى، متعلقة بطبعه «العفش» العفن!
أما من يريد الزواج، فهم على أنواع، وأبشعهم أولئك «المسنون» الذين يريدون «تجديد شبابهم» على حساب شباب أنثى هيء لها أن قطار الزواج فاتها أو على وشك أن يفوتها، وهؤلاء لهم قصص غريبة، فاحدهم «فول بروفيسور» ودارس في «بلاد برة»، ولديه ثلاث زوجات، ويريد أن «يسكّر الدفتر» بالرابعة! والمقصود هنا هو دفتر العائلة، الذي خصص أربع صفحات للزوجات!!
إنها «تسكيرة دفتر» لا أكثر، وربما لا تقيم في هذا الدفتر غير بضعة شهور، أو سنوات، ثلثاها أو أكثر، تمضي في خلاف مع الزوجات القديمات وأبنائهن..!
والويل ثم الويل للأنثى التي تنأى بنفسها عن «الخضوع» لأي من الضغوطات أعلاه، فهي تصبح موظفة كسولة تحاك حولها الدسائس والأكاذيب من كل نوع، بسبب تمنعها عن الاستجابة لنزوات «الأخوة» الذكور!
-2-
أما حين تكون ذكرا وسط إناث، فلا تقل المعاناة كثيرا عن الوضع المعاكس، إذ تتحول هدفا آخر للباحثات عن الرغبة نفسها، ولكن بلون وديكورات أخرى، والويل للضحايا المحتملات من الإناث إن كان الضحية المفترضة من الذكور الخبراء في «اللعب» على عقول الإناث، حيث يتحول الهدف الضحية، إلى قاتل حقيقي بلا إراقة دماء، والحديث يطول جدا، فنحن مجتمع متصارع –لا متسامح- مع نفسه، لو جلس الفرد منا وحده لدقائق، لخرج مقضيا عليه من نفسه ذاتها، لفرط ما نعاني من عقد، وتلك بالطبع صورة مبالغة، ولكنها صورة تغلب علينا عموما، بل إنني أزداد قناعة كل يوم، ان سبب الانهيارات التي تمر بنا، تعود في الأساس لبنية شخصياتنا المعقدة والمركبة جدا، وأساس المشكل هنا خلل فكري واجتماعي عميق الخور، وما لم تتم معالجة هذا الخلل، فلن ننجو مما يحاك حولنا من عدونا الخارجي والداخلي من تآمر وخطط لإبقائنا في حالة خدر ، يستقبل كل ما يرسل لنا وما نستنبت من أمراض تفتك بنا!
-3-
الصورة ليست بهذه البشاعة بالتأكيد، لكنها بشعة بما يكفي لتجريد فريق بحث اجتماعي وسيكلوجي متخصص لدراسة حالة أبي «تسكيرة الدفتر» ذاك، وكيف لم ينقل من بلاد الفرنجة التي درس فيها العلوم الحديثة، ولو شيئا من «إسلامهم» السمح، تأسيسا على مقولة محمد عبده الشهيرة حينما زار باريس، وحين رجع للقاهرة سألوه عن غربته، فقال: رأيت هناك مسلمين بلا إسلام، فيما عندنا إسلام بلا مسلمين!
الدستور