سوق الحرامية من دون حرامية
عصام قضماني
26-01-2018 12:51 AM
في عمان سوق للحرامية لكن من دون حرامية , فقط بضائع قديمة مصففة فوق بسطات مبعثرة غير معروف مصدرها تباع بأسعار قديمة وتستطيع أن تجد في هذه السوق كل ما يخطر بالبال .
بحثت عن مصدر الإسم فلم أجد رأيا نال توافقا، فهناك من يقول أنه قديما كان سوقا للسيارات وقطعها المسروقة، لم أجد لهذا التفسير تأييدا فذهبت الى تسمية خان الخليلي، حتى هذه لم تكن مسنودة، لكن ذهبت الأسباب وبقي الإسم لصيقا بالسوق حتى يومنا هذا رغم محاولات تغييره على مر السنوات .
على كل حال منذ مدة لم تأخذني قدماي الى نهاية شارع طلال لأتبين ما إن كانت هذه السوق لا تزال فاعلة أم أن الأمانة قضت عليها، لكنني أعد القراء بأن أذهب يوما ما لأتبين، أو أن أحدا يهاتفني ليصحح معلوماتي، حتى لو أن السوق ذهبت فإن الإسم باق ولعله تمدد الأن الى أكثر من موقع، فالحرامية لا يحتاجون سوقا لتصريف المسروقات، بل على العكس قد تفضح هذه السوق أعمالهم خصوصا إن كانت تحت رقابة الشرطة أو عيون الباحثين عن مسروقاتهم .
هذه دلالة على أنه ليس للإسم علاقة بواقع السوق ومهماتها، ربما جاء الإسم من كون البضاعة التي تباع فيه رخيصة على غرار المسروقات عندما تباع بربع الثمن، فإذا أردت أن تعرف أن هذه البضاعة مسروقة ما عليك الا أن تتبين السعر فإن كان برخص التراب فهي مسروقة، لكن الأيام علمتنا أن السرقة ليست وحدها سببا يقف وراء رخص أثمان السلعة، ففي أحيان كثيرة الديون الثقيلة تدفع صاحبها الى بيع ما يتيسر بأرخص الأثمان والكمبيالات والشيكات أيضا لها ذات الفعل، ثمة اسباب كثيرة وراء رخص أسعار السلع وهناك اسباب أيضا لإرتفاع أسعارها وفي كلا الحالتين هناك مستفيد واحد وهناك خلل واحد .
حسنا سأعود الى سوق الحرامية , كنت أول مرة تعرفت على هذه السوق ذهبت في خيالي الى أنني سأجد مجاميع اللصوص وقد أنهوا يومهم من السرقات وعادوا اليها يحملون حصيلة أعمالهم ليعرضوها للبيع , وإعتقدت أن مثل هذه السوق فعلا هي للحرامية الذين يتعين عليهم تصريف المسروقات بخفة قبل أن تضبطهم الشرطة , لكن حتى في سن صغيرة تستطيع أن تتبين ماهية هذه السوق وظروف الناس الذين يتخذون منها مرتعا للإسترزاق , تحت غلاف من البؤس والحاجة وقضائها والقبول بأقل المتيسر .
هذه سوق للبؤساء يذهب اليها الباحث عن أقل التكاليف ويبيع فيها المحتاج لأقل قدر من المال تتربع في حفرة في نهاية شارع طلال بمنطقة سقف السيل وسط البلد، فيها من السلع البالية ملامحها التي تشبه ملامح روادها وتشبع تفاصيل حياتهم، أفراحهم وأحزانهم، يفرح المتسوق فيها إن عثر على صوبة نصف متعافية بثمن بخس بقفل وهو يحملها عائدا الى بيته وأمله أن يلتف الأولاد حولها حتى لو كان سطحها خاليا من الكستنا فربما رغيف خبز يكفي وزيادة .
وهذا آخر إشترى للتو خلاطا للخضار , يريد أن يفرح أم العيال , لكن المشكلة التي قد يصادفها هي في توفير الخضار , وذاك وجد طاولة خشبية كم كان يتمنى أن يجد معها مقاعد لا يهم حتى لو كانت من نوع ولون أخر فغاية ما يريد هو أن يجلس الى مائدة عندما يريد أن يتناول طعامه حتى لو كان علبة تونة أو سردين معفاة من الضرائب ...
في عمان سوق للحرامية لكن من دون حرامية .. عجيب .
الرأي