المصارف المحلية والدعم المديد!
حسن الشوبكي
10-03-2009 03:43 AM
لا يوجد قطاع اقتصادي يحظى بالرعاية كتلك التي يتمتع بها قطاع البنوك منذ عقود، فهو الطفل المدلل لدى كل الحكومات، وهو الذي تتفتح امامه كل الابواب المغلقة، وهو ايضا الذي تلغى لأجله كل التوصيات ذات الصلة بتطوير النسق الاقتصادي العام في البلاد.
ليست في الأمر مبالغة، ومن لا يعرف عليه ان يعود الى ملامح القوة الاقتصادية بشكليها المباشر وغير المباشر على المستوى المحلي، ويعيد الذاكرة الى الوراء قليلا ليجد أن مصلحة البنوك كانت تتقدم على أي مصلحة أخرى تمس الأمن او النمو الاقتصادي.
وكثير ممن شارك في حوارات الاجندة الوطنية أو المجلس الاستشاري الاقتصادي سابقا يعرف تماما ان كثيرا من افكار وآفاق تطوير بيئة الاعمال كانت تتهاوى سريعا بعد أول اعتراض لصاحب بنك صغيرا كان هذا البنك ام كبيرا!
الأزمة المالية العالمية ونذرها التي تصلنا تباعا تكشف الى حد بعيد عمق الافراط في رعاية البنوك، فالبنوك تتشدد في الاقراض، ومصرف كبير يغلق أبوابه في وجه قطاع مهني عريض ومهم مثل قطاع المحامين، وليس ثمة من يلفت انتباهه الى خطورة تلك التوجهات، ولا يقف الامر عند ذلك بل ان التشدد يتم بشكل انتقائي ويصيب عددا ليس قليلا من القطاعات والاستثمارات الصناعية والتجارية الاخرى بالضرر، ولكن لا بأس، ما دام ان الضرر سيصيب جهة اخرى غير البنوك.
وخلال الازمة ذاتها، أعادت البنوك المركزية في اوروبا وشمال اميركا وآسيا اسعار فائدة ما بين البنوك الى نسبة تقارب الصفر بعد ان انحازت المؤسسات الدولية الى تخليص اقتصادياتها من التباطؤ والركود وتنشيط حركة القطاعات الصناعية والتجارية ولم تنحاز لصالح الجهات المصرفية، فتراجع أرباح البنوك بنسب قليلة ليس مأزقا كبيرا اذا ما قورن بمكاسب إنعاش الحياة الاقتصادية بعد ان فتك الاعصار المالي بالثروات في بلاد الرأسمالية.
أما لدينا، فإن البنك المركزي يتبع الاحتياطي الفيدرالي الاميركي في كل شيء إلا في توجهات كتلك التي جعلت من فائدة ما بين البنوك صفرا بالمائة، ويبقي على أسعار فوائد تعد مرتفعة كيفما احتسبتها او نظرت اليها.
وأكثر من ذلك، تدعو الحكومة البنوك الى التشدد في منح التسهيلات لبعض المجاميع الاقتصادية، وتدافع عن سياسات البنوك في هذا الصدد بالقول ان "البنوك وافقت على منح 75% من إجمالي طلبات التسهيلات"، حيث بلغ حجم القروض 4 بلايين دينار بينما حجم التسهيلات المطلوبة 5.4 بليون دينار، ولكن احدا لا يعرف لماذا رفض مبلغ البليوني دولار وعن أي قطاع استثماري حجب.
وما هو مخطط له أبلغ خطورة وأكثر انحيازا للبنوك، فمشروع قانون الضريبة الموحدة الذي ما يزال حبيس الادراج، ومن المتوقع ان تجري مناقشته في أي دورة مقبلة للبرلمان الحالي، يذهب الى تخفيض الضريبة على البنوك وقطاع التأمين من 35% الى 25%، بينما يرفع المشروع، الذي جرى التنسيق بشأنه حكوميا مع الوكالة الاميركية (يو اس ايد)، ضريبة الصناعة من 15% الى 25% ويبقي على ضريبة التجارة عند 25%.
منذ اندلاع الازمة المالية، لم تتوقف الصحافة الاميركية والاوروبية وحتى الآسيوية عن نشر مئات التحليلات والمقالات التي تتساءل عن مدى حاجة الاقتصادات للبنوك الاستثمارية، وعن مدى ضرورة البنوك بوصفها أدوات في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها الاقتصاد العالمي، ويتساءل كثيرون عن حجم الثروات الافتراضية التي خلقتها البنوك وتبخرت بين ليلة وضحاها وعن مدى استفادة الافراد والمؤسسات من التعامل مع البنوك مقابل الارباح العالية التي تحققها البنوك بسهولة ويسر.
ليست دعوة للتضييق على البنوك لدينا، لكن الواقع الحالي يشير الى وجود تعامل بقداسة، مقررة سلفا، مع القطاع المصرفي، في الوقت الذي يتم فيه غض الطرف عن قطاعات اخرى، ويصل الامر الى درجة أن البنوك تقوم بفصل عشرات بل مئات العاملين فيها، ولا ترافق ذلك جلبة او متابعة إخبارية وإعلامية رصينة على المستوى المحلي لما حدث مع الاسر التي تشردت تحت مسمى "إعادة الهيكلة" وتنتصر البنوك في المحصلة؛ مستندة الى إعلاناتها ونفوذها الذي يفوق نفوذ الحكومة بنسب كبيرة.