ما بين إرث العقائديات الذي أثقل كاهل الأحزاب في عالمنا العربي، والبرامجية التي ينادي كثيرون بها، ووسط زحام الإعلانات اليومية عن الأحزاب في بلدنا، بالإضافة إلى التيارات-الفكرية -التي تؤسس أحزاباً، بات لزاماً علينا طرح أسئلة عدة، بينها: هل نحن اليوم قادرون على بناء حياة حزبية حقيقية؟ وهل فعلاً بعض العقليات التي تنادي بالحزبية مهيأة له؟
ينظر كثير من السياسيين والمشتغلين بالتاريخ إلى عقد الخمسينات من القرن الماضي على أنه الفترة الذهبية للحياة الحزبية، رغم أنها فعلياً الفترة الذهبية للعقائديات العربية (والقومية منها خاصة) وحينها كانت الاشكالية أن تلك الأحزاب لم تكن ذات مرجعيات وطنية بقدر ما كانت تستقي مفرداتها من الشعارات ومشاريع الخارج !
وبعد انتهاء فترة الأحكام العرفية والتحولات التي شابت الحياة السياسية طفا على السطح أحزاباً تحمل هموماً قديمة لحال جديد، أي هموم العقائديات التي غادرها الزمن على حساب هموم الإنسان والوطن.. فولدت فجوة كبيرة بين الحزب بمفهومه التنظيمي والفكري والحاجة، بينما يشكو كثير من الحزبيين من عدم إقبال الناس على الأحزاب.
وبعيداً عما يقول به البعض من وجود راسبٍ نفسي لدى الأردني بالانتماء للحزب، ولكن هل الأحزاب نفسها اليوم في بلادنا حقيقية، وتمارس دورها أسوة بالأحزاب في الديمقراطيات الراسخة؟
وفي كثير من الأحيان تجد أن الأحزاب ذاتها تمارس النقد في كل شيء ولا تقبل ممارسة النقد الذاتي والمراجعة، فتنظر من زاوية المثالية إلى الناس والدولة، وتحاول طرح هموم بعيدة عن هموم الناس.. فضلاً عن غياب الحواضن الحقيقية للأحزاب من أندية اجتماعية ووسائل تواصل ودور اقتصادي وثقافي واجتماعي، فالحزب في عيون كثيرين من المشتغلين به مشروع للوصول إلى السلطة فقط وحصراً.
وهي مشاريع شخصية وليست مشاريع فكرية أو برامجية، وتغيب الأحزاب عن المشهد وتحضر فقط ببيان ٍ منمق ينتقد ويدعو ويطالب وخاصة عند أي قرار حكومي اقتصادي.. ثم يعود إلى حالة السبات!
العلة في أحزاب كثيرة في بلادنا أنها أحزاب ومشاريع شخصية، وبرامجها حتى تنحصر ضمن خبرة رئيسها، لذا فإنها تصبح مع الزمن أطراً لا تتفق والأحزاب.
وهل نحن نملك أحزاباً حقيقة خارج العاصمة؟ فكيف لأعضاء حزبٍ نجحوا بفضل عشائرهم أن يتكلموا بلغة تخالف قواعدهم الانتخابية! وكيف لتيار يولد على مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون حزباً وممارسات بعض المنادين به على الأرض تتناقض وصورهم الأنيقة على تلك المواقع؟
ما بين الأحزاب في مرحلة مضت وكثير من أحزاب الحاضر.. بون شاسع ولا يجسره سوى التأني .. فالحياة السياسية الصحية بحاجة إلى ثقافة سليمة ونخبة متنورة تقرأ وتفكر وتمارس نقد الذات وتدرك طبيعة المجتمع وهمومه لا متحولين أيديولوجيين يمارسون في كل مرة ذات اللعبة .. حزب جديد!
وللحديث صلة .